مقالات وكتاب

تحديد تحديات استقطاب الأوقاف الجديدة

وقفة الاثنين مع الوقف :

11/2/2019

الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية

السياسات المثلى العشر لإدارة العمل الوقفي :

تحديد تحديات استقطاب الأوقاف الجديدة :

لقد كثُرت، ولله الحمد، الجمعياتُ الخيرية اليومَ، وكثرت الروافد التي تصب فيها رغبات الواقفين والمحسنين، ولم تعد عملية الوقف هي الوحيدة التي تتوجه إليها مقاصد فاعلي الخير كما كان الحال في السابق قبل ريادة العمل الخيري بأشكاله المستحدثة الجديدة.
وبعد أن لم يكن في كويت الماضي مِن صيغةِ تبرُّعٍ سوى الوقف، ولم تكن ثمة جمعيات خيرية، ولا بيت زكاة، ولا أمانة أوقاف بالشكل الحالي، حيث لم يكن هناك إلا الوقف الأهلي، والوقف الخيري الذي يُسجَّل عند القاضي – وهو الأغلب ولله الحمد -؛ فقد تعددت اليومَ مصارفُ الخير ومناهجه، مما فرض على الأمانة العامة للأوقاف في صورتها التقليدية؛ تحدياتٍ لم تكن موجودة في ساحة الخير من قبل. وبقدر ما نغبط ذلك التنافس الحميد، الذي نرجو الله أن يكون من التنافس المحمود {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، وبقدر ما ينبغي أن تتكامل هذه الجهود بما يصبّ في مصلحة الأفراد والمجتمعات والأوطان؛ بقدر ما ينبغي أن تعمل كل مؤسسة على تعظيم روافدها لأجل تنمية مشاريعها الخيرية، في إطار المنافسة الشريفة والشفافة.
وكان من الصعوبات والتحديات التي أدركتُها مع تكليفي بالأمانة العامة للأوقاف: الطابع الحكومي للأمانة، الذي بقدر ما هو عامل مصداقية وثقة؛ إلا أنه قد صار عاملًا عكسيًّا في كثير من الأحيان. فالآن مع وجود البدائل الكثيرة أمام الواقفين من الجمعيات الخيرية التي يراها المحسنون في هذا المجال؛ أصبح هؤلاء المحسنون يرون العاملين في تلك الجمعيات الخيرية أصحاب رسالة يعملون ليل نهار لأجل تحقيق رسالتهم، وليسوا مجرد موظفين فقط، ومن ثَمَّ فقد أصبحوا يقبلون على تلك الجمعيات أكثر من غيرها.
وعلى جانب آخر؛ فقد قيل لي شخصيًّا، أنكم – يعني الأمانة العامة للأوقاف – تمثِّلون الحكومة، والحكومة مليئةٌ (ولديها خير)!، ومن ثم فأنا – والكلام على لسان أحد المحسنين – أعطي الجمعيات الخيرية الفقيرة التي تحتاج إلى الدعم. وهذا يوضح أن كوننا جهة حكومية كان تحديًا كبيرًا عند الكثيرين.
ومما يتصل بذلك: ما كان البعض يعيبه على الأمانة من النظام البيروقراطي الصعب والمعقد في بعض الأحيان، فيقول بعض المحسنين: إن عندكم إجراءات كثيرة وميزانيات ويدير شؤونكم مجلس شؤون أوقاف وديوان المحاسبة، وعليكم رقابة كبيرة تعرقلكم، ومن ثَمَّ تتأخر عملية صرف ثمار الريع. وقد قالت لي إحدى المحسنات: إن أختي قد وقفت مالًا عندكم، ولكن بسبب التأخر في صرف الريع؛ لم أضع عندكم وقفي أيضًا لأنني لا أحب أن أتعرض للإشكال نفسه!
فكان هذا من أبرز التحديات أمام استقطاب الأوقاف الجديدة من الواقفين إلى الأمانة العامة للأوقاف، لصالح المؤسسات المناظرة والمنافسة، كالجمعيات الخيرية، فضلًا عن بيت الزكاة، الذي كان يتمتع بميزة نسبية، وهي أن الزكوات إجبارية، فتخرجها شريحة أوسع بكثير من المحسنين الذين يتبرعون أو يوقفون، فالأوقاف ليست إجبارية، ويكفي أن تُصنع في العمر مرة.
ومن هنا؛ فقد كان الواجب عليّ، باعتبار مسؤوليتي كأمين عام للأوقاف: أن أحدد أولًا تلك التحديات التي تستقطب الوقفيات الجديدة، ثم أقف ثانيًا على الأسباب التي تعظم من إمكانية المنافسة، فإن الشعور بالمشكلة وتحديدها هو أول خطوات التفكير العلمي قبل البدء في التفكير في حل المشكلة، وبناء على ذلك فقد كان اللازم على الأمانة أن تكثف من جهودها في تقليل مستوى البيروقراطية، وتسريع الإنجاز، واختصار الإجراءات، بالإضافة إلى فن العرض، والتسويق، والمناقشة المباشرة مع الواقفين والتحلي بالإقناع وحسن الإيضاح، وهذا بالإضافة بطبيعة الحال إلى الرغبة الذاتية في الوقف في الأمانة العامة للأوقاف لما تتسم به من مؤسسية وموثوقية ومصداقية، ولما لها من طابع حكومي، وهذا عامل ينبغي الحفاظ عليه والاستفادة منه الاستفادة المثلى.

د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
دولة الكويت

إغلاق
إغلاق