أخبارمال وأعمال
«البنك الدولي» للكويت: أسعار النفط المرتفعة فرصة لتنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية
- الأصول المالية الكبيرة للكويت تدعم مرونتها الاقتصادية.. ولكن لا يمكن أن تحل محل الإصلاحات
- الإصلاحات تحمي المواطنين من تقلبات الطلب على النفط ومستويات أسعاره على المدى الطويل
- خطة التنمية الثالثة 2020-2025 أطلقت لتحقيق أهداف التنويع.. إلا أن تنفيذها لايزال بطيئاً
- يجب الاستفادة من المكاسب النفطية الحالية لتسريع التحول الهيكلي وزيادة حصة القطاع الخاص
أكد المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، عصام أبو سليمان، أن الكويت محظوظة بتوافر صندوق الثروة السيادي (احتياطي الأجيال القادمة)، وبالمكاسب المفاجئة التي تحققت بفضل أسعار النفط، ما يسمح بتنفيذ الإصلاحات التي ستعود بالنفع على الشعب الكويتي على المدى الطويل وتحميه من تقلبات الطلب على النفط وأسعاره.
وقال أبوسليمان في لقاء خص به «الأنباء»: «ينبغي أن تؤدي المكاسب النفطية الحالية دورا مهما في تمويل التحول السريع للإصلاحات وتكييفها، إذ تبرز حاجة ماسة إلى إصلاحات تستهدف تنمية القطاع الخاص ونموه واستحداث فرص عمل»، إلا أنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الأصول المالية الكبيرة تدعم المرونة الاقتصادية للكويت، ولكن لا يمكن لهذه الأصول وحدها أن تحل محل الإصلاحات المالية والهيكلية التي من شأنها أن تلغي مخاطر تقلبات أسعار النفط، وانخفاض الطلب على النفط في المستقبل.
ولفت إلى أن القطاع النفطي يساهم بأكثر من 85% من الإيرادات المالية و50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يشكل تحديا رئيسيا تجب معالجته في خطة التنمية الوطنية الجديدة للكويت 2035، خصوصا أن الجهود العالمية تشكل تحديا خطيرا للطلب على النفط على المدى المتوسط إلى الطويل، نتيجة الانتقال إلى الانبعاثات الصفرية الصافية، وبالتالي الابتعاد عن الوقود الأحفوري، وسيكون لذلك أثر عميق على الاقتصاد الكلي في الكويت، ولاسيما على الاستدامة المالية والخارجية.
وأشار إلى أن الاقتصاد الكويتي سيتعافى تماما من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا بنهاية هذا العام، مبينا في الوقت ذاته أن القطاع النفطي يعتبر المحرك الرئيسي وراء هذا التعافي، وإلى تفاصيل اللقاء:
بداية، ما تقييمكم للاقتصاد الكويتي حاليا؟
٭ نتوقع أن يستمر الاقتصاد الكويتي في التعافي من الانكماش الذي نتج عن جائحة كورونا في 2020، إذ دعمت التطورات التي حصلت في الاقتصاد النفطي حالة التعافي، حيث ارتفعت أسعار النفط ومستويات الإنتاج في الكويت بنسبة 59.3 و13.5% على التوالي، خلال أول 7 أشهر من 2022، وزادت صادرات النفط بنسبة 81% خلال الربع الأول من 2022، مما أدى إلى زيادة بنسبة 270% في فائض الحساب الجاري الذي من المقدر أن يصل إلى 28.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة ذاتها.
وتشير توقعاتنا إلى أن النمو الاقتصادي يتسارع في عام 2022 ليبلغ 8.5% قبل أن يتراجع إلى 2.5% في عامي 2023 و2024 على التوالي، وبعد نموه بنسبة تقدر بنحو 13.4% خلال 2022، سيستمر قطاع النفط في دعم النمو مع بدء التشغيل التجاري الكامل لمصفاة الزور في عام 2023، على الرغم من الإشارات التي تنذر باتباع «أوپيك +» نهجا أكثر حذرا في الإنتاج المقرر.
كذلك، من المتوقع أن يستمر القطاع غير النفطي في الكويت بالتوسع في عام 2023 بعد الارتفاع المتوقع تسجيلــــه بنسبة 7.7% في عام 2022، وســـوف يترجم تزايد الطلب إلى ضغوط تضخميـــة تصاعديــة إضافيــــة، على الرغم من أن تشديد السياسة النقدية وانخفاض أسعار المواد الغذائيــــة العالمية سيؤديان إلى ضبط التضخم على المدى المتوسط.
في رأيكم، ما نقاط القوة التي تتمتع بها الكويت وتشكل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية؟
٭ تدعم الأصول المالية الكبيرة المرونة الاقتصادية للكويت، إلا أنه لا يمكن لهذه الأصول وحدها أن تحل محل الإصلاحات المالية والهيكلية التي من شأنها أن تلغي مخاطر تقلبات أسعار النفط، وانخفاض الطلب على النفط في المستقبل، وارتفاع التكلفة الحدية للإنتاج.
وتشمل الإصلاحات المطلوبة تنويع الإيرادات غير النفطية، وتعزيز رأس المال البشري، والتنويع الاقتصادي إلى جانب تنويع الصادرات، وإصلاح الحوكمة الاقتصادية لتنشيط التنمية التي يقودها القطاع الخاص والتي ينبغي أن تؤدي بشكل عاجل إلى نمو أخضر مستدام وشامل وأقوى وأكثر حفاظا على البيئة، وينبغي أن تستمر عائدات النفط والغاز في لعب دور أساسي في تمويل التحول وتكييف هذه الإصلاحات.
هل ترى أن ارتفاع أسعار النفط يشكل عامل أمان للاقتصاد الكويتي؟
٭ نظرا لاعتماد الاقتصاد الكويتي على النفط، فإن ارتفاع أسعاره أمر مرحب به، ومن هذا المنطلق وللأسباب عينها، يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى زيادة مستويات الضعف وعدم اليقين في الاقتصاد، وهو ما شهدناه بشكل مباشر قبل وأثناء الجائحة وفي أعقابها خلال 2020.
ويمثل القطاع النفطي أكثر من 85% من الإيرادات المالية و50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يشكل تحديا رئيسيا تجب معالجته في خطة التنمية الوطنية الجديدة للكويت 2035.
وستشكل الجهود العالمية تحديا خطيرا للطلب على النفط على المدى المتوسط إلى الطويل، نتيجة الانتقال إلى الانبعاثات الصفرية الصافية، وبالتالي الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
وسيكون لذلك أثر عميق على الاقتصاد الكلي في الكويت، ولاسيما على الاستدامة المالية والخارجية، إذ تم إطلاق خطة التنمية الثالثة 2020-2025 لتحقيق أهداف التنويع ولكن التنفيذ لايزال بطيئا، غير أن الكويت محظوظة حتى الآن بتوافر صندوق الثروة السيادية وبالمكاسب المفاجئة التي تحققت بفضل أسعار النفط التي من شأنها أن تسمح بتنفيذ الإصلاحات التي لا شك في أنها ستعود بالنفع على الشعب الكويتي على المدى الطويل وتحميه من تقلبات الطلب على النفط وأسعاره.
هل هناك فرصة مواتية من زيادات أسعار النفط؟
٭ يجب على السلطات الاستفادة من المكاسب النفطية الحالية لتسريع التحول الهيكلي من أجل زيادة تنويع حصة القطاع الخاص في الاقتصادات وتوسيعه، وتضع التوقعات العالمية المتشائمة والمخاطر على المدى القريب المرتبطة بأسواق النفط جهود التنويع على رأس الأولويات، إذ لا تزال المنطقة تعتمد بشدة على السلع الأساسية، حيث يمثل القطاع النفطي أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الخليج ويولد أكثر من 50% من العائدات المالية وعائدات الصادرات، وتمارس أسعار النفط المرتفعة ضغوطا على دول مجلس التعاون الخليجي من أجل زيادة الإنتاج بشكل أسرع لتعويض الإنتاج المفقود من روسيا وتعويض أعضاء أوپيك الآخرين (مثل نيجيريا وأنغولا) اللذين تخلفا باستمرار عن إنتاج حصصهما المتفق عليها.
وتسهم جميع هذه العوامل في دفع دول مجلس التعاون الخليجي والكويت نحو الاعتماد بشكل أكبر على النفط، لذلك، تبرز حاجة ماسة إلى اعتماد إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحقيق نمو قوي ومستدام وشامل وأكثر حفاظا على البيئة، وينبغي أن تؤدي المكاسب النفطية الحالية دورا مهما في تمويل التحول السريع لهذه الإصلاحات وتكييفها، وتبرز حاجة ماسة على الأخص إلى إصلاحات تستهدف تنمية القطاع الخاص ونموه واستحداث فرص عمل.
ما تقييمكم لدور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني، وما الذي تحتاج ليكون دورها فعالا؟
٭ المشاريع الصغيرة والمتوسطة عموما من أبرز العوامل المساهمة في النمو واستحداث الوظائف، لكن قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة هو أحد القطاعات الرئيسية التي تأثرت بشكل كبير بالأزمة التي نتجت عن جائحة كورونا ليس فقط في الكويت، ولكن على مستوى العالم، وعندما عانت الكويت من الصدمة المزدوجة للجائحة، واعترافا منها بالدور المهم الذي يلعبه قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني، سارعت السلطات الكويتية إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم قروض ميسرة وطويلة الأجل من صندوق الشركات الصغيرة والمتوسطة والبنوك التجارية، كما أصدر بنك الكويت المركزي تعليمات للبنوك بتزويد الشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الصدمة بتمويل بمعدل فائدة 2.5% كحد أقصى وخفض ترجيحات المخاطر للشركات الصغيرة والمتوسطة (من 75%إلى 25%) في احتساب الأصول المرجحة بالمخاطر لتحديد كفاية رأس المال، وتبين هذه التدابير بوضوح التزام الحكومة الكويتية بتنمية القطاع الخاص ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ما تأثير النمو الأخضر على الكويت؟
٭ تتمتع الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي بإمكانية تحقيق مكاسب كبيرة من التحول إلى نموذج النمو الأخضر، إذ من شأن النمو الأخضر، أو التحول نحو أنظمة طاقة أنظف أن يعزز اقتصادات الخليج ويسرع جهود التنويع، ونظرا لقدرة المنطقة على إنتاج طاقة متجددة بتكلفة رخيصة للغاية من خلال مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يمكنها أن تصبح رائدة في الطاقة المتجددة، إذ نعتبر أن استراتيجية النمو الأخضر من شأنها أن تستحدث أيضا ملايين الوظائف الجديدة في مجال العلوم والتقنيات الجديدة، الأمر الذي يعد مثاليا للشباب المثقف في دول مجلس التعاون الخليجي الذي سيصل إلى سوق العمل في العقود القادمة، ومن خلال اللوائح والسياسات والاستثمارات الصحيحة، وكثير منها هو بالفعل قيد التطوير أو يجري التخطيط له، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتمتع باقتصادات أقوى وأكثر استدامة تولد وظائف مجزية لشبابها، وحماية كوكب الأرض في الوقت عينه.
كيف يمكن للنمو الأخضر أن يعزز أهداف التنويع في دول مجلس التعاون الخليجي والكويت؟ وأين تكمن الفرص؟
٭ هناك جانبان لهذه المسألة، الأول وهو المعروف جيدا يتعلق بالطريقة التي يمكن أن تسهم فيها دول الخليج في التحول من خلال تقليل انبعاثات الكربون، وجميع دول مجلس التعاون الخليجي هي من بين الدول العشر الأولى من حيث نصيب الفرد من انبعاثات الغازات الدفيئة، أما الجانب الثاني فهو غير معروف بشكل جيد ويتعلق بالفائدة المحتملة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من الانتقال إلى نموذج النمو الأخضر.
وأظهرت هذه الدول بالفعل أنه يمكنها أن تنتج أرخص طاقة شمسية في العالم من خلال مشاريع قياسية في الإمارات وقطر والسعودية، وتنتج هذه البلدان الكهرباء المتجددة بتكلفة أرخص بـ30% من المحطات التي تعمل بالفحم، ويبدو أن التكنولوجيا تتحسن بشكل تدريجي ومن المرجح أن تكون أرخص في المستقبل.
ونرى أن الاستثمار في النمو الأخضر، بما في ذلك الطاقة المتجددة (بشكل رئيسي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، والهيدروجين النظيف وتطوير المهارات الخضراء المصاحبة يمكن أن يعزز نمو الإنتاجية بما يؤدي إلى معدلات نمو تتراوح بين 7 و10%سنويا، وسيشمل هذا المسار أيضا الصناعات المترابطة (مثلا صناعة الألواح الشمسية أو ابتكار وسائل نقل تعتمد على الطاقة النظيفة) التي من شأنها أن تساعد على زيادة تنويع اقتصاداتها وزيادة الصادرات غير النفطية.
دول الخليج.. مراكز نفوذ الطاقة المتجددة
قال عصام أبو سليمان «مثلما كانت دول التعاون مراكز نفوذ للنفط والغاز على مدى السنوات الـ 50 الماضية، كذلك يمكن أن تصبح مراكز قوة للطاقة المتجددة في السنوات الـ 50 المقبلة، ويمكن لها أن تستفيد بشكل أكبر من هذا الدور من خلال تبادل التقنيات والخبرات، والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي من خلال لعب دور محوري في التحول الأوسع الذي يمكن أن يسمح بإنشاء سوق كهرباء متصلة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكنها أيضا تبادل الكهرباء مع أفريقيا وأوروبا وآسيا، وقد بدأنا نرى مؤشرات حول انطلاق هذا المسار من خلال المبادرة الخضراء لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والأسواق العربية المشتركة للكهرباء، وربط السكك الحديدية ومشاريع مماثلة».
اقتصاد الكويت يتعافى من الجائحة تماماً نهاية 2022
قال عصام أبو سليمان إن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن الاقتصاد الكويتي سيتعافى تماما من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا بحلول نهاية هذا العام، ويعتبر القطاع النفطي المحرك الرئيسي وراء هذا التعافي، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 13.4% في عام 2022، فيما يواصل القطاع غير النفطي دعم التعافي مع مسار نمو يتوقع أن يبلغ 7.7% خلال العام الحالي.
«النمو الأخضر» يضاعف معدلات نمو حجم اقتصاد الخليج
قال عصام أبو سليمان إن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أنه من شأن الاستثمار في الصناعات التي تدعم الطاقة النظيفة واعتماد استراتيجية النمو الأخضر أن يزيد من إجمالي إنتاجية عوامل الإنتاج في الخليج بما يسمح بارتفاع معدل النمو على المدى الطويل إلى ما بين 7 و10% سنويا وبنمو حجم اقتصاد المنطقة من 2 تريليون دولار اليوم إلى أكثر من 13 تريليون دولار بحلول 2050، وفي غياب الاستثمارات في النمو الأخضر، من المرجح أن ينمو الاقتصاد الإقليمي إلى نحو 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050 في حال مواصلة العمل كالمعتاد.
المصدر: الانباء