مقالات وكتاب

حوار بين غرفة تجارة و صناعة ا لكويت و ا لمجتمع 

بقلم: د. حامد الحمود

أخذت غرفة تجارة وصناعة الكويت على عاتقها الدخول في حوار مع المنتسبين للغرفة، وأصحاب الأعمال، والمجتمع الكويتي من خلال إعلانات في أكثر من صحيفة، وكانت هذه الإعلانات من ست حلقات متكاملة تحت عنوان ” لكي يبنى القرار على حقائق “. وذلك من خلال الفترة من 25 إلى 30 ديسمبر. وللأمانة فكاتب هذه السطور لم يفهم سبب التساؤل: ” لكي يبنى القرار على حقائق ” إلا بعد أن شرح إعلان اليوم السادس والأخير أن دوافع الإعلان وصيغته ترجع إلى أنه:

” يوم الخميس 15 ديسمبر 2022، وفي جلسة لم تُدْعَ الغرفة لحضورها، ولم يطلب منها إبداء وجهة نظرها، والتعريف بدورها وأعمالها. وافقت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة على مقترح بقانون يقضي بتحويل غرفة تجارة وصناعة الكويت إلى نقابة ويعهد بكل اختصاصاتها إلى وزارة التجارة والصناعة “.

هذا ولغرض هذا المقال، تواصلت مع كثير من المواطنين الذين لديهم شركة أو شركات أعضاء في الغرفة، ورغم أنه كان هناك تباين أو تمايز في وجهات النظر مع أعضاء مجلس إدارة الغرفة، فإنهم لا يختلفون معهم في ضرورة ديمومة استقلالية الغرفة، وأن الدعوة من بعض أعضاء مجلس الأمة إلى تحويلها إلى نقابة يعهد باختصاصاتها إلى وزارة التجارة والصناعة هي دعوة تعكس جهلا بدور الغرف التجارية كممثل لأصحاب الأعمال، وحماية مصالحهم، ودورها كمفاوض بين أصحاب الأعمال من جهة والحكومة من جهة اخرى. فهذه الدعوة تقضي على الغرض الرئيسي من تأسيس الغرفة. ثم إن فكرة تأسيس الغرف التجارية أن كان في الكويت أو في الخليج العربي أو في أوروبا والعالم هي أن تكون الغرفة جمعية نفع عام مستقلة عن الحكومة. وأرى أنه حتى الحكومة – أي حكومة – ستتضرر إذا لم تكن الغرف التجارية مستقلة بالكامل عن الحكومة وعن أهوائها السياسية.

هذا وتضمنت سلسلة إعلانات ” الغرفة ” بعض الإنجازات الهامة للغرفة منذ تأسيسها عام 1959، والتي كان من ضمنها، مبادرتها إلى المغفور له الشيخ جابر الأحمد بتأسيس مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في 1976، وأن يتم ذلك باقتطاع نسبة من أرباح الشركات المساهمة. كما ذكّرت الإعلانات بدور الغرفة أثناء الاحتلال العراقي، لكن ما كان جديدا بالنسبة لي ولكثير من القراء أن الغرفة طالبت بفرض ضريبة دخل على الشركات والمؤسسات وأصحاب الدخول العالية. وما كان جديدا عليّ كذلك هو الغرفة هي أول من طالب بإصدار قانون جديد للغرفة، والذي رفعته إلى سمو رئيس مجلس الوزراء كمقترح لتحيله الحكومة إلى مجلس الأمة، وكان ذلك بتاريخ 14 يونيو 2004، وقد أحاله مجلس الوزراء إلى مجلس الأمة بتاريخ 22 مارس 2010.

هذا وما لم تتطرق إليه إعلانات الغرفة هو أنه في الكويت كما في كل العالم، فإن أصحاب الأعمال من تجار بسطاء الى تجار كبار و إلى صناعيين، كان دائما لهم دور كبير في إرساء قواعد العمل السياسي الديمقراطي. وقد لاحظت أن أكثر من عشرة من عشرين من أعضاء المجلس التأسيسي في الكويت 1962، كانوا من أصحاب الأعمال التجارية. فالعمل التجاري في كل مكان يخضع للمنطق، فالتاجر يتعلم الموضوعية والمنطق ليخفض تكاليفه ويزيد أرباحه. وهذا المنطق له فرصة كبيرة بأن ينتقل عند إصدار أحكامه على النشاط السياسي. كما انه يدعو للمشاركة ضمن نظام سياسي ديمقراطي لا ليجلب الاستقرار السياسي فقط، وإنما الاستقرار الاقتصادي. لذلك فالطبقة التجارية أن كانت في ماليزيا أو بريطانيا أو السعودية تجدها منفتحة نسبيا على الأفكار الجديدة، بل أن التجار – وعلى مدى التاريخ الإنساني – كان لهم دور كبير في إرساء أواصر التعاون بين الشعوب والتقريب بين أفكارهم ورؤاهم. ويرى المؤرخ يوفال هاراري في كتابه “الانسان العاقل” أن التجارة نافست الأديان والامبراطوريات في توحيد شعوب العالم. وعلينا أن نتذكر ان الاتحاد الأوروبي بدأ بالسوق الأوروبية المشتركة.

هذا ومع النجاحات والإنجازات التي حققتها الغرفة، إلا أن الكثير من منتسبي الغرفة الذين يبلغ عددهم 58000، لديهم بعض التحفظات على مسيرة الغرفة والتي أهمها أنهم يرون أن الغرفة وبتركيبة أعضاء مجلس إداراتها – على مدى السنوات الأخيرة – فإنه تمثل الكويت عام 1959، وهي السنة التي نشر فيها قانون الغرفة في الجريدة الرسمية، أكثر من تمثيلها للأعضاء عام 2022، وهي آخر سنة أجريت فيها انتخابات. هذا مع معرفة أنه في الانتخابات الأخيرة التي جرت في مارس 2022، فإن قائمة “الأسرة الاقتصادية” نالت حوالي خمسة أضعاف ما نالته القائمة المنافسة من الشباب والشابات الذين نافسوها. فقائمة ” الأسرة ” تفوقت بشكل كبير لأسباب تاريخية ولقلة خبرة القائمة المنافسة الذين صرحوا أنهم إلى أشهر قليلة قبل موعد الانتخابات لم يكونوا على علم بأن أعضاء مجلس إدارة الغرفة يصلون عن طريق الانتخابات. ولا بد من التذكير كذلك أنه في عام 1959 – العام الذي تأسست فيه الغرفة – كان عدد سكان الكويت أقل من ربع مليون، بلغ عدد الكويتيين من بينهم حوالي 135 ألف بينما يبلغ عدد الكويتيين في الوقت الحاضر حوالي 1.45 مليون. فالخريطة للتجار وأصحاب الأعمال آنذاك كانت إلى حد كبير محصورة في جبلة وشرق والمرقاب. أما الخريطة التجارية حاليا فقد امتدت إلى كل مساحة الكويت الدولة. وكما ذكر إعلان الغرفة الأخير فإن أصحاب الرخص التجارية في الوقت الحاضرو الذي يبلغ 200 الف رخصة يزيد على عدد الكويتيين عام 1959. فكثير من أصحاب الأعمال من تجار وصناعيين وأصحاب مشاريع صغيرة يرون أنهم غير ممثلين بالغرفة، وأن تطلعات ورؤى الغرفة بعيدة عن رؤاهم وتطلعاتهم. و ان علاقتهم بالغرفة مقصورة على دفع رسوم اشتراكات و تصديقات.

هذا وأرى أن قائمة ” الأسرة الاقتصادية ” ستفوز في الانتخابات القادمة والتي تليها، لكن هذا الفوز لا يعكس بالضرورة مدى الرضا الحقيقي لأصحاب الأعمال في الكويت على هذه القائمة، أو رضا الرأي العام في الكويت عن ” الغرفة “، ففي استطلاع أجريته على تطبيق تويتر، سألت:

” نشرت الغرفة سلسلة من البيانات والايضاحات والتحليلات شملت تاريخ الغرفة وأنشطتها البناءة في المجتمع الكويتي، فهل أدت هذه الإعلانات إلى تحسين صورة الغرفة في المجتمع الكويتي؟

هذا و من بين 744 أجاب 15% بنعم، و 85% بلا، وهي نتيجة غير متوقعة، وربما يرجع ذلك إلى أن معظم من أجاب على هذا الاستطلاع هم ليسوا من رجال الأعمال. لكن مع ذلك أعرف كذلك أن كثيرا من رجال الأعمال الذين يشاركوهم بعدم رضاهم عن الغرفة.

لكن ما يرجى من القائمين على ” الغرفة ” هو أن يدركوا أن كثيرا ممن هم غير راضين عن علاقتهم بالغرفة هم من الشباب والشابات الطموحين، الذين بذلوا جهودا كبيرة في بناء أنفسهم، وبعضهم حقق نجاحات بعد تغلبهم على تحديات كبيرة. وكثير منهم ينظر إلى الغرفة على أن جلّ اهتمامها مركز لإرضاء أصحاب الأعمال الأثرياء. هذا و مع أن النشاط التجاري هو أحد المسارات الهامة لتحقيق الثروة، لكنه ليس مسارا مضمونا، فالتجارة بذل جهود وتخطيط ومغامرة ونجاح وفشل كذلك.

 

لذا أعتقد أن الغرفة بحاجة إلى قاعدة بيانات جديدة، وبإمكانها الاستفادة من التحليل الإحصائي لتقدير حاجات أعضائها و استشعار توجهاتهم، والتعرف على إمكانياتهم ورؤاهم، وهناك برامج كمبيوتر ستساعدها على ذلك.

وأكرر أن قائمة “الأسرة الاقتصادية” ستفوز في الانتخابات القادمة والتي تليها، لكنه سيبقى فوزا ناقصا إن لم تتمكن من احتواء تطلعات من نافسها في الانتخابات الماضية. وقياس رضا الأعضاء أصبح أكثر سهولة مع توفر الأدوات الإحصائية، وسهولة التواصل معهم أونلاين.

هناك حاجة إلى التغيير، فكويت 1959 هي غير كويت 2024 وسيكون أفضل عندما تقود الغرفة هذا التغيير بنفسها.

hamed.alajlan@alwaeikw.com

إغلاق
إغلاق