مقالات وكتاب

السياسات المثلى العشر لإدارة العمل الوقفي «تشجيع الإبداعات الوقفية الجديدة»

 

وقفة الاثنين مع الوقف:
4/2/2019

الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية

السياسات المثلى العشر لإدارة العمل الوقفي :

تشجيع الإبداعات الوقفية الجديدة :

دائمًا ما أكرر القاعدة: ” التخصص يقودُ إلى الإبداع “. والذي أضيفه هاهنا أن الإبداع يلقي الضوء على مساحات واسعة من الإنجاز والفاعلية، كانت مظلمة ومغفولًا عنها. وهذه هي الفائدة الأساسية للإبداع، فليس المقصود من الإبداع مجرد الإغراب أو فعل الجديد، بل هو فعل وظيفي واع وهادف، يسهم في تجويد الأداء، والكمال في تحقيق الأهداف.
ومنذ شرفت بتولي مسؤلية الأمانة العامة للأوقاف، وهاجس الإبداع الوقفي لا يغادر خيالي. كان لابد من الخروج عن المألوف في العمل الخيري عمومًا والوقفي خصوصًا، وذلك بطبيعة الحال مع كامل التقدير للأشكال التقليدية للعمل الوقفي، كالوقف على المساجد والإطعام والسقيا، وهي المصارف الثلاثة الأولى بالترتيب، في الوقفيات الحالية في الأمانة العامة للأوقاف، والتي ربما كانت متفهمة في سياق الظروف القديمة في كويت الماضي، حين كانت الحاجة ماسّة لبناء المساجد وإطعام الفقراء وسقيا الماء، ولكن هذا لا ينفي أننا نحتاج أفكارًا حديثة عصرية للوقف، تواكب الاحتياجات المعاصرة بتحدياتها الجديدة التي فرضت واقعًا مغايرًا.
فكانت رؤيتي أننا نحتاج الأفكار الجديدة التي تجسّد احتياجاتنا التي تتطلبها النوازل والمستجدات المعاصرة. فمع وجود الدولة الحديثة، وفي ظل الرفاه الموجود، ولله الحمد، وكثرة المساجد، وتوفّر المحسنين الذين يغطون هذه الجوانب التقليدية من الإطعام والسقيا، فضلًا عن وجود بيت الزكاة، والجمعيات الخيرية الأخرى الكثيرة التي تقوم على هذه الأنشطة؛ نحن نحتاج الأنشطة الوقفية فيما يتعلق بطلبة العلم وتحفيظ القرآن الكريم وتجويده، وكذلك بعض الإبداعات الجديدة التي تغطي احتياجات المسلمين خارج الكويت مثلًا.
فمن الأفكار الوقفية الرائدة الجديدة التي يمكن أن نستعرضها كمثال على تلك الأفكار الإبداعية: الوقف على المقابر، حيث إنه مما لا يخفى أن المقابر تمثِّل نوعًا من الهوية، ففي بعض البلدان غير الإسلامية التي توجد فيها جاليات إسلامية: لا يكون لديهم مقابر خاصة بالمسلمين، إلى درجة أنهم قد يضطرون إلى الدفن في مقابر غير المسلمين لعدم وجود أرض، ومن ثم فإن الوقف على هذه المقابر لمن القربات العظيمة من جهة، فإن دفن المسلم واجب من القربات، وهو من مشاركة الوقف الفعالة في تكوين الهوية الحضارية للمسلمين في البلاد غير المسلمة.
ومن الأمثلة الإبداعية على الأفكار الوقفية أيضًا، ما يتعلق بالوقف على حمامات السباحة في حالاتٍ قد تكون فيها أهم من المساجد! ورغم غرابة ذلك إلا أنه إذا عُرف السبب، بَطَل العجب. وذلك أنه في بعض الدولة الاسكندنافية، كالنرويج والسويد؛ يُجْبَر الأطفال على نزع ملابسهم بالكامل في نهاية حصة التربية البدنية لتعويدهم على إماتة الغيرة والفضيلة والتخلص من التحفّظ الجنسي – كما يزعمون – وقد كان الأهالي المسلمون يجدون مُرَّ المعاناة من جرَّاء ذلك، الأمر الذي جعلهم يحرصون على أن يبنون حمامَّ سباحةٍ مستقلًّا مجهزًا بأحدث التجهيزات، وفيه المدربون الأكفاء، بحيث يستصدرون من خلاله شهادةَ تأهيلٍ للسباحة تغنيهم وتعادل لهم حصة السباحة في المدرسة، وكل ذلك تجنبًا لتعرية لأطفال قسرًا، مما يجعل ذلك أولويةً بالنسبة إليهم عن المسجد. ومن أجل ذلك فقد كتبت في مرّةٍ مقالًا بعنوان: (حمام سباحة أولى من مئذنة مسجد)! وهذا يدلنا بوضوح على ما ذكرناه من الواقع المستجد الذي يفرض متطلباتٍ مغايرةً عن تلك التي كنا نحتاج إليها في الماضي.
ومما يتعلق بالإبداعات الوقفية أيضًا؛ فقد أضفت خلال مدة تكليفي بالأمانة العامة للأوقاف ثلاث وقفيات مشهورة، قد ذكرتها في النقطة التي تناولنا فيها قضية (تأصيل الريع الوقفي)، وهي :
الأوقاف الجديدة في البلاد الإسلامية الفقيرة،
وإعادة إعمار الأوقاف القديمة التي لا يوجد لها مخصصات كافية من ريعها لإعادة بنائها وتأهيلها وترميمها،
وكذلك إنشاء الأوقاف الجديدة في البلاد غير المسلمة لصالح الجاليات المسلمة، ولا نطيل بتكرار الكلام عنها هنا.
ومن الإبداعات الوقفية التي كان لها مردود طيب: اعتبار الوقفِ أحدَ الأبناء، بحيث إذا تُوفِّي شخصٌ ولديه ثلاثة أبناء وبنتان، فيعتبر الوقف هو الابن الرابع، وتقسم التركة على أربعة أبناء وبنتين، ويذهب للوقف نصيب الأبن المعنوي المجازي المفترض وقد صنع أحد الإخوة من الكويتيين تلك الفكرة، وقد شجعناه عليها، واعتبرناها من الأفكار الإبداعية في الوقف، وأفردت لها هي الأخرى مقالاُ مستقلاً في جريدة القبس .
ومما لا شكَّ فيه أن المجال متسع لعديد من الابتكارات والإبداعات، وإنما قصدت بما ذكرته في ذلك المقام – على سبيل المثال لا الحصر – التنبيه على أهمية فكرة الإبداع والتجديد، وكيف أنها تفتح آفاقًا جديدة من العمل، لم تكن تخطر بالبال، مع أهميتها العظمى، وكِبر الفائدة المترتبة عليها، والحاجة الواقعية إليها.

د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف
دولة الكويت

 

إغلاق
إغلاق