مقالات وكتاب
SPOTLIGHT على تحرش القساوسة
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
تعد مشكلة التحرش الجنسي وممارسة الجنس لدى القساوسة والراهبات، وأحيانا الشذوذ الجنسي؛ من أكثر المشاكل التي تعانيها الكنيسة بمختلف أطيافها، في مختلف دول العالم، رغم أن الزنا ومقدماته واللواط وجميع الممارسات الشاذة محرمة في الدين المسيحي. وهذه مشكلة قديمة منذ ادعاء أن القساوسة والرهبان لا يتزوجون، مخالفين بذلك الفطرة الإنسانية، ومشوهين بل محرفين الدين المسيحي الحق، المخفي أصوله في بعض الكنائس القديمة في بعض مدن أوربا.
وذكرت في مقالات سابقة أصل الكرنفالات والحفلات التنكرية في أوربا، وكيف كان القساوسة يخرجون ليلا متنكرين حتى لا يعرفهم الناس لممارسة الزنا في أماكن بعيدة، وعندما اكتشفهم أحدهم قتلوه وادعوا عليه الأكاذيب، ثم تحول التنكر إلى احتفالات للتغطية على ذلك الحدث.
ولم يعد أمر زنا القساوسة والرهبان خفيا على أحد، فلا يفوت شهر إلا ونقرأ خبر اكتشاف قس يمارس الزنا في مكان ما.
وتجاوز الأمر الزنا الاختياري (أي الطرفين كبار وموافقين على الممارسة)، إلى التحرش بالأطفال الأبرياء، وممارسة كل أنواع الشذوذ الجنسي معهم!
وحول هذه القضية الشائكة التي لا يصدقها كثير من الناس، وصدمت المجتمعات الغربيةالمحافظة والمتدينة، أنتجت عدة أفلام سينمائية تطرقت إلى تحرشهم بالأطفال، ومنها فيلم SPOTLIGHT”” الحائز على جائزتي أوسكار و121 جائزة أخرى، الذي يروي قصص حقيقية للفضائح الأخلاقية التي هزت الكنيسة في أوربا وأمريكا.
تطرق الفيلم إلى الثقة التي يمنحها الناس للقس على أساس أنه ممثل “الرب”، ويختلي بهم في غرف مغلقة للاستغفار من الذنوب التي قاموا بها، أو يتطوعون لخدمة الكنيسة، ليبدأ التحرش التدريجي بالكلمات والقصص واللمسات والقبلات (رغم أنهم اجتماعيا لا يقبلون الصبيان) والاحتضان والتحرش ثم الفاحشة، ويكون ذلك بلقاء واحد حتى لا ينقل الطفل ذلك التحرش لوالديه فيمنعوه من الذهاب إليه.
وفي الغالب لا يشتكي الوالدين تسترا على ولدهما، وغالبا ينتقلون إلى مدينة أخرى، وقليل جدا من يشتكي في المخفر.
استثار هذا الحدث رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية الشهيرة في أمريكا، التي أخذت مبيعاتها بالانخفاض، فطلب من فريقSPOTLIGHT”” في الصحيفة لإعداد تقرير قوي عن هذه المشكلة، وهذا الفريق مسؤول عن القضايا الصعبة، ولهم علاقات واتصالات استخباراتية قوية، واستطاعوا الوصول لبعض الرجال الذين تم اغتصابهم أو ممارسة الجنس معهم عندما كانوا أطفالا، وسألوهم عن الحادثة فوجدوا اجماعا على أن ثقة الأطفال بالقس كانت كبيرة كونه ممثلا عن الرب، ومن غير المعقول أن يقوم بشيء مخالف للدين أو القانون، وكانوا ينفذون طلباته الجنسية رغم عدم اقتناعهم بها، لكنه القس الذي يساعد في الغفران ودخول الجنة، فضلا عن عدم فهمهم لها كونهم لم يبلغوا بعد، وتجد أكثرهم يبكون حرقا لهذه الفعلة الشنعاء رغم أنهم في الثلاثين من عمرهم، أي مضى قرابة 20 سنة على الحادثة.
كان العدد المتوقع 11 حالة فقط، بناء على الأسماء التي وصلوا لها وقدموا شكاوى، إلا أن بعض المصادر أفادت بأن العدد أكبر من ذلك بكثير، بناء على كشف أسماء القساوسة المنقولين لشكاوى رسمية وغير رسمية لممارستهم الفاحشة، إما بطلب من الشرطة أو البلدية أو غيرها من المؤسسات المحلية المسؤولة، على أساس التعتيم على الأمر إعلاميا حفاظا على سمعة الكنيسة.
اجتمع الفريق مع رئيس التحرير وأطلعوه على التفاصيل، وتأثر من المعلومات كثيرا، وكان الفريق مصدوما بها وهو ينقلها له، فطلب منهم تأجيل النشر، لأن الموضوع الآن تغير من إثارة صحفية، إلى قضية قيمية تهم المجتمع، لأن الموضوع ممكن يصيب أبناءهم جميعا.
وأعدوا خطة لحملة كبيرة لمواجهة ذلك الوباء الفاحشي تجاه الأطفال، خصوصا بعد أن وجدوا أن جل ما يصيب القس هو نقله من مدينة لأخرى، أو من بلد لآخر، وبعضهم يرتقي في عمله، وبعضهم ينتقل للكنيسة الرئيسة الأكبر في روما. فجمعوا عشرات القصص، مدعمة بالوثائق القانونية بعد تعاون محامو القساوسة وحتى القضاة، ونشروها في سلسلة تقارير هزت أمريكا بالدرجة الأولى، وعموم الدول الغربية، والمجلس الكنسي.
تميز أسلوب الفيلم بالرزانة، فلم يستخدم المخرج أية مناظر مخلة رغم أن الموضوع تحرشات جنسية، ليؤكد المخرج أنه جاء ليطرح قضية قيمية لا استعراضية.
ولتميزه بكثير من الأمور الفنية والقيمية،حصل الفيلم على جائزتي أوسكار و121 جائزة أخرى، مما يدلل على القوة الفنية والثقافية للفيلم.
وبالطبع لا يعني ذلك توقف القساوسة والرهبان عن ممارسة الفاحشة، لا مع الصغار ولا مع الكبار، فكل فترة نسمع عن حادثة لقس شهير، إلا أن ذلك الأمر يقرع الجرس لأولياء الأمور للانتباه لأبنائهم، ويحذر من الثقة المفرطة بالقس والراهب.
ولعل القساوسة والرهبان العرب أكثر التزاما من غيرهم، فالقيم الدينية والشرقية تحكمهم، وأعرف شخصيات عربية مسيحية تركت بلاد الغرب رغم أنهم يعيشون هناك برفاهية تضاعف ما هم عليه في بلاد العرب، لرغبتهم بالحفاظ على شرفهم وقيمهم وأخلاقأبنائهم.
وأخيرا كلمة شكر للمبدع أ.الفاروق عبدالعزيز على اختياراته المتميزة من الأفلام، ودعوته لنا في كل عرض تحليلي لفيلم جديد، وشكرا لنادي “سين” لتنظيمهم هذه الأمسية الرائعة.