مقالات وكتاب
في وداع والدي

بقلم : مشعل فهد الغانم
لأن الحياة عبارة عن بوابة «مطار» والناس بها عابرون، إما واصلون أو مغادرون، رحل سيد حياتي وسيدي..
فقدت والدي في فجر الثامن والعشرين من نوفمبر، هذا الرجل الذي كان بمنزلة عمود فقري لي في هذه الدنيا، ووجوده «وإن كان على فراش المرض لأكثر من عشرة أشهر»، مصدر راحة وأمان واستقرار، رحل الرجل الذي لا تفارقه الابتسامة حتى في أيام حزنه ولا يرتبط باسمه شيء سوى الضحكة الجميلة والكلمة الطيبة، كان رحمه الله صديق الجميع، لا يفرق بين البشر بأي سبب كان، يحب الحياة حباً جماً، كان صديق القانون والبيئة ووطنيا من الطراز الرفيع، رغم أنه لا يتحدث في السياسة ولا يشارك بها أو حتى بالرأي أو الحديث عنها، فهو رجل عقاري / زراعي فقط، وأب حنون طيب صديق جميع أبنائه وبناته، رحل الرجل الذي علمني أن الوطنية «موقف» ليست شعارات، رحل الرجل الذي كان ينصح ولا يأمر، يضع لك تصورات خطواتك ولا يجبرك على أن تتخلى عن رغباتك.
أذكر جيدا حديثي معه عند بداية الحراك السياسي في الكويت وبعض النصائح التي لم ألتزم بها، ولكن كل ما قاله حدث، العمر والممارسة والحنكة والتجارب تجعل من كبار السن «مدارس متنقلة» ومكسبا لكل من يجالسهم ويستمع اليهم.
رحل الصديق والأخ والصاحب وكاتم الأسرار، رحل ولم يودعني حتى، لإيمانه بأنني سوف أفقد وعيي إذا ودّعني، رحمك الله يا كبير المقام والعز والهيبة.. أتذكر له موقفا في الغزو العراقي عندما خرج أعز أصدقائه وكان في وداعه وقال للوالد اخرج معي فالوضع مزرٍ وصعب وقد يطول أمد الأزمة، فكان رده شافيا مختصرا ووطنيا:
الكويت «ضفتنا» في الرخاء وشلون ما نتحملها بالشقاء..
سيدي، كنت أتمنى ولو للحظة أن ترى الجموع التي اصطفت مشكورة في جنازتك، أو حتى ترى المعزين في ديوان العائلة، فهم الكويت بكل أطيافها، كنت أتمنى ولو للحظة أن تستمع لما قاله سيدي سمو الأمير عنك.. فقد كنت جزءا من تاريخ الكويت..
فهد يوسف ثنيان الغانم..
وداعا وإلى اللقاء في جنات النعيم..