منوعات
قضية الكويتي محمد الشارخ والأمريكي بيل غيتس بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم
يروي أحداثها: محمد الآغا.. الذي كان يعمل في العالمية، وقد غادر الكويت بعد التحرير الى انجلترا حيث عمل هناك في مؤسسة أسسها وانتج برامج تعريب للحاسوب كما عمل مع جريدة الشرق الاوسط وART في مجال الأتمتة..
وهو من لندن يتحدث هنا عن القضية التي رفعها السيد محمد الشارخ ضد مايكروسوفت.
يقول:
في فترة بعد الغزو والتحرير كنت أعمل في العالمية مديرا للنشر والاعلام وعشت الفترة ساعة بساعة ولا زالت تفاصيلها ماثلة أمامي بكل وضوح.. وإليك انطباعاتي:
كانت هناك اتفاقية موقعة كان لدي منها نسخة في وقت سابق؛ بين مايكروسوفت والعالمية، تحافظ على حقوق كل من الطرفين.
هذه الاتفاقية بالانجليزية اسمها Non Disclosure Agreement وتقضي بألا يوظف أي طرف أي موظفين آخرين من الطرف الآخر حفاظا على استثمار كلا الطرفين في موظفيهم.
مع الغزو، وتعطل السبل أمام موظفي العالمية خرج اثنان من أهم موظفي العالمية هما:
اسكندر مرقص (المدير التقني) ومحمد رشيد (مدير المعلومات وقواعد البيانات) وغادرا الكويت؛ مرقص ذهب الى فرنسا ورشيد ذهب إلى أميركا.
بعد عدة أشهر وبعد عودة النظام الى الكويت سمعنا أن الاثنين مرقص ورشيد يعملان في مايكروسوفت (وكان هناك أقوال أنهما طلباني أن التحق بهما في ميكروسوفت لأهتم بالمجال الذي كنت أعمل فيه في العالمية وهو الـ Manualization أي كتابة أدلة الاستخدام بالعربية لولا عدم تمكني من مغادرة الكويت بسبب وثيقة السفر.
رفع أبو فهد قضية على مايكروسوفت لخرقها الاتفاقية المبرمة بينهما بتوظيفها إثنين من موظفي العالمية.
خطأ أبي فهد محمد الشارخ هو عدم استيعابه لأهمية بيل غيتس لأميركا فهو الابن المدلل الذي حقق في الصناعة ما لم تستطع الولايات المتحدة تحقيقه عسكريا على مدى عقود عدة؛ الغزو الاقتصادي، باستخدام الحاسب الشخصي.
مرقص ورشيد هما اللذان عربا الكمبيوتر الشخصي للعالمية وأكملاه في ميكروسوفت؛ العالمية فتحت لهما آفاقا أبرزوا فيها طاقاتهم وإبداعهم وحققا (هما وفريقهم الفني، ولا أنسى دور الراحل نبيل علي في هذا المجال) أهم انجاز رقمي في تلك الفترة. ولكن الغزو “فركش” كل هذه الجهود والطموح الذي كان لدى أبي فهد والذي بدأ يتحقق بشكل مضطرد بعبقرية مرقص ورشيد. وكانت خسارة فادحة لأبي فهد وكذلك لصناعة المعلوماتية العربية.
لم يقتصر طموح ابو فهد على عمل برامج مثل وورد وإكسل وغيرها ولكن كان طموحه أبعد من ذلك بكثير ويتعلق بأتمتة اللغة العربية مثل المصحح الاملائي وغيرها. أهم ما كان يريده ابو فهد هو عمل “ماكنة لغوية عربية صرفة” يتمكن المستخدمون أفرادا وجهات تصنيع من استخدامها مثلا وليس حصرا، لكتابة نص خال من الأخطاء اللغوية، سواء كانت هذه الاخطاء نحوية أو صرفية أو إملائية وهذا ما لا تستطيع مايكروسوفت أو غيرها أن تفعله باللغة العربية.
ابو فهد وأمثاله من الصناعيين العرب الملتزمين بقوميتهم العربية لديهم الشغف والعاطفة تجاه اللغة العربية، وهذا ما لايتوفر ولن يتوفر لمايكروسوفت وأمثالها.
معظم الذي حققته مايكروسوفت للغة العربية كان قد تحقق أصلا في العالمية قبل الغزو، ولكن مايكروسوفت أضافت إليه إخراجا تسويقيا معينا ليتناسب مع بقية منتجاتها.
ما لم تستطع ميكروسوفت عمله والذي كانت العالمية تعمل ليل نهار على تحقيقه لولا كارثة الغزو، هو “ماكنة ضبط النحو العربي” أو كما كانت تسميه “معالج النحو العربي”! هذا لا يهم في قليل أو كثير أي جهة صناعية غربية، أو شرقية حتى، لأنه حقيقة غير مهم لهم، فلن يزيد مبيعاتهم، فهو مجرد feature إضافية ستستنفد استثمارا كبيرا منهم في الجهد والمال دون أن يكون له مردود إضافي.
في الثمانينات كانت العالمية أول من صنع المدقق الاملائي العربي؛
لغة البرمجة العربية صخر بيسك (معربة عن GW Basic) تمكن الصغار من استخدام اللغة العربية لبناء برامج وتطبيقات!
لغة البرمجة التعليمية صخر لوغو تمكن الأطفال من استخدام كلمات عربية للتحكم في مشيرة الرسم على الشاشة!
عشرات البرامج التعليمية في المعلومات العامة المتعلقة بالثقافة العربية والعالمية، باللغة العربية!
كل البرامج التي تتوفر حتى الآن من مايكروسوفت كانت العالمية تعمل عليها وحققت بعضها وأنا كتبت لها أدلة الاستخدام بالعربية في أواخر الثمانينات.
عملت مساعدا اقدم خدمات للعالمية وموظفا فيها من 1982 حتى 1991 ولم أسمع أبدا بأن هناك شركة كان قد نشب نزاع عليها بين أبي فهد وبيل غيتس، وأظنه افتراء من أجل تشتيت الانتباه عن تجربة من أهم التجارب الصناعية المرتبطة بالتراث العربي في العصر الحديث.
لقد خلقت العالمية في فترة الثمانينات حالة ذهنية في الشعور العربي تشير إلى “أننا نستطيع” إذا ما توفرت الظروف المناسبة للابداع.. ومن خلق هذه الحالة إسمه محمد الشارخ.
ولو توفر عشرة من محمد الشارخ في العالم العربي لكانت الدول العربية تتربع على عرش المعلوماتية بدلا من الهند وروسيا ودولة الكيان الصهيوني وغيرها.
* نقل لنا القصة مشكورا المستشار اياد العيسى