مقالات وكتاب
العمالة الوافدة في الحكومة.. حاجة أم ترف؟!
بقلم : عصام عبداللطيف الفليج
دخلت أحد المراكز الصحية في الفترة المسائية، فإذا بموظف شركة الأمن يجلس في الاستقبال، فقلت له أين الشباب (أقصد الكويتيين)، فقال سيأتون بعد قليل، وأخذ بطاقتي المدنية وأعطاني رقما. وبعد سنة وجدت موظف الأمن قد عين موظفا في المركز الصحي في الاستقبال، والشباب مستأذنين!
هذا نموذج لأحد أسباب اعتماد الدولة على الوافدين في الأعمال، لأن المواطن ترك مكانه لغيره.
لم تأل الدولة جهدا في تنمية المواطن، فقد وفرت له التعليم كل حسب قدراته، ويسرت له الوظائف كل وفق إمكاناته «وواسطته»، ونظمت له دورات تدريبية للارتقاء بمستواه العلمي والثقافي والمهني، وتنتظر منه أن يؤدي عمله بكل إخلاص وإتقان، مع تسهيلات لا تعد من الاستئذانات والمرضيات والعرضيات والإجازات والعطل الرسمية ومكافآت سنوية «(وإن قلت»، ودرجات دورية واستثنائية، وكوادر خاصة لبعض المهن، ومع ذلك تجده دائم الشكوى والضجر، بحق وباطل، وإنتاجية متوسطة أو أقل، وأستثني منهم «في مستوى الإنتاجية» الأطباء والمعلمين وموظفي خدمات الجمهور، ولست معمما، لكني واصف حال.
وبحجة أنه لا يخاف، وصاحب حق، ولسانه طويل «كما يحلو للبعض»، فإنه لا يتعامل مع مسؤوليه كما ينبغي، وأحيانا يعاملهم الند بالند، متجاوزا الأعراف والعادات والتقاليد والفارق العمري والوظيفي في الاحترام.
وبعد ذلك نقول لم الاستعانة بغير الكويتي في الوظائف الحكومية؟!
نفس هذا الموظف لو عمل في القطاع الخاص «بدون واسطة»، أو بنظام المكافأة بالحكومة، لرأيته أكثر التزاما وانتاجية، فلم يا ترى؟!
وعندما يعمل المواطن مديرا أو مستشارا في الحكومة، يشترط ويكلف ويأمر، وعندما يعمل في القطاع الخاص، يطبع أوراقه بنفسه، ويعمل قهوته بنفسه، ويلتزم ساعات العمل وزيادة، لأنه محاسب على الوقت والانتاجية، وكل ذلك وهو سعيد.
أتت العمالة الوافدة بناء على طلب حكومي، وإن كان ثمة خلل في ذلك فلنعالج الخلل، لا أن نعمم أي خطأ على كل الوافدين، فلقد جعلنا أبناءنا أمانة لديهم في المدارس، وجعلنا أنفسنا أسرى لهم في العيادات، وجعلنا مستقبلنا بين أيديهم في القضاء، فكيف لا نثق بهم، ولا نأمن لهم، ولا نكرمهم؟!
نعم هناك خلل كبير في بعض الوظائف المبهمة كالمستشار، الذي يتم تعيين الوافدين فيه أكثر من المواطنين، وبمكافآت عالية، وبمواصفات غامضة، وسيرة ذاتية غريبة، وخبرة مهنية ضعيفة، ودوام مفتوح، وإجازات بلا حدود.. الخ، ودون معايير واضحة لهذه الوظيفة، ولعل هذا الذي سبب استثارة الناس في الآونة الأخيرة، وهذا بالفعل يحتاج إلى معالجة جادة من الحكومة، فمن تريد أن تكرمه، فلتعينه في الشركات التي تتعامل معها بعقود بالملايين، ولا من شاف ولا من درى.
لا أريد أن تكون النظرة إلى الوافدين بتعميم السلبيات، وتخصيص الإيجابيات، لأي جنسية كانت، بل ينبغي التعامل الإنساني الكريم في بلد الإنسانية والكرم، واحترام البشر، ولست معارضا لوضع رسوم إدارية عليهم لخدمات الدولة، ولكن وفق مستوى الدخل، مع ضرورة تطبيق التأمين الصحي «الصحيح» بعيدا عن جشع الشركات، وغير ذلك من الخدمات.
وفي المقابل.. لست مع استثناء أحد من الوافدين لدخول الجامعة والهيئة باستثناء أبناء الديبلوماسيين، خصوصا مع توافر الجامعات الخاصة، ومع منح المواطن والمتقاعد فرصة العمل بنظام المكافأة «مساء» أسوة بالوافد.
وأخيرا.. إليكم نموذجا آخر للاعتماد على الوافد:
يروي لي أستاذ جامعي في منتصف الثمانينيات أنه تمت مقابلته لرئاسة القسم في الكلية، فقال لهم: إذا كانت نوال موجودة فسأقبل رئاسة القسم (نوال سكرتيرة القسم)، وإذا كانت ملك موجودة فسأقبل عمادة الكلية «ملك سكرتيرة العميد»، وإذا عزت موجود فسأقبل أن أكون مدير الجامعة «عزت مستشار المدير».. وصلت؟!
والآن.. العمالة الوافدة في الحكومة.. حاجة أم ترف؟!