مقالات وكتاب
إلى متى استغلال شماعة البدون؟!
بقلم : عصام عبداللطيف الفليج
جاء شاب قبل 3 سنوات من فئة البدون، وأحضر شهادات تثبت حاجته المالية للإيجار وكفالة أسرته.. وغير ذلك، وتمت مساعدته عن طريق بعض المحسنين، وجاء قبل فترة لنفس الطلب، فسألته: ألم تشتغل منذ 3 سنوات، فأجاب: أنا جامعي، وما عندي استعداد اشتغل أي شغلة! فقلت له: شفت صيادي السمك المصريين، فيهم المحاسب والحقوقي، لم يقل أنا جامعي وعمل في الصيد، وضربت له عدة أمثلة، فأنزل رأسه وأصر على موقفه، فقلت له: إن كانت هذه عزة نفس، فعزة النفس لا تسمح لك بطلب المساعدة أيضا، وأنت تشوه وضع اخوانك البدون الذين يكدحون دون مد اليد، فرجاء.. لا تستغل قضية «البدون» لتحقيق أهدافك.
وكنت قبل فترة في دولة أوروبية، ودعاني أحد الأصدقاء على الغداء، وساعده مجموعة من اللاجئين من سورية الصومال، وقالوا معهم كويتي، فقلت: لا يمكن لاجئ كويتي، أين هو؟ فلما التقيته، وجدته شابا عراقيا سكن الجهراء فترة، وادعى انه كويتي، ووجدت مثله في دول أخرى، وبعد السؤال، تبين أنها وسيلة للحصول على لجوء بادعاء أنه مظلوم من فئة البدون! وأنا لا أود أن أضيع عليهم هذه الفرصة لتحسين وضعهم، ولكن أتمنى ألا تستغل قضية «البدون» لتحقيق أهداف خاصة.
يقول بدون استخرج جوازا لدولة أخرى: عندما ذهبت لتعديل وضعي في وزارة الداخلية، قال لي الضابط: اسمك أمامي على الشاشة، كنت مسجلا لدينا عراقي، ثم بدون، ثم برازيلي، ثم أفغاني، ثم.. والآن..! إذا كل المعلومات موجودة عند الوزارة، فلم لا يتم التعامل على أساسها، ومن سجل نفسه بدون يعد مدلسا؟! (الجنسيات المذكورة للتمثيل فقط).
كلنا يعلم أن مشكلة البدون تاريخية استغلت سياسيا من عدة أطراف، وكلما جاء مخلص لحلها وانخفض الرقم المعلن، تنهى مهمته لأسباب سياسية، ويعود الرقم أعلى مما كان، فبدل أن كانوا 20 ألفا أصبحوا 120 ألفا، وبعد تخفيضهم إلى 60 ألفا عادوا 180 ألفا.. وهكذا على مدى نصف قرن.
ولا ألوم النواب بطرح قضية البدون، لأنها تمثل أصواتا بالنسبة لهم، ومع الدوائر الخمس، والصوت الواحد، أصبح الجميع يتكلم باسم البدون.. سنة وشيعة، حضر وبدو وعجم، مثقفين وتجار، ليبراليين ومتدينين، معارضة وموالاة، فكم نائب اشتهر عنه تجنيس أقاربه، وهؤلاء النواب مدعومون من متنفذين كبار أوي!
وأخيرا أتساءل.. لو خير أي متبدون (يدعي أنه بدون)، بين أن يبقى بالكويت بوضعيته الحالية، أو يعود لبلده الأصلي، لاختار بلا تردد البقاء بدون في الكويت، ولو خير أي متبدون رغب البقاء في الكويت، بين أن يبقى بوضعيته الحالية بدون، أو يعود لجنسيته الأصلية، لاختار بلا تردد أن يبقى بوضعيته الحالية بدون، فلم يا ترى؟!
أنا أعلم أن هناك بدونا مظلومين، وهؤلاء أمرهم إلى الله، وأعلم أن هناك جيلا ثانيا وثالثا من المتبدونين لا يعرف سوى الكويت، ويعشق تراب الكويت، ولا يعرف حتى عنوان موطنه الأصلي، مثل العديد من المقيمين الذين ولدوا ونشأوا في الكويت ولا يعرفون سوى الكويت، ولكن لا يعني ذلك على الإطلاق أنهم فعلا بدون، أو مظلومون، فمن ظلمهم هم آباؤهم، ومن قبل تسجيلهم بدون.
وأخيرا.. لا تحل الأمور بالمظاهرات والتجمعات، فذلك إساءة للبدون الحقيقيين، ولا بالتطاول على رئيس الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، لأنه لم يعمل من فراغ، بل عمل وفق مظلة حكومية شاركت فيها وزارات الدولة، وسبق أن ذكرت في مقال سابق عن أكثر من 13 خدمة أعيدت لهم رغم عدم استحقاق معظمهم لها من المتبدونين، ولا أدل على نتيجة ذلك العمل من تعديل 8500 بدون أوضاعهم، وكشف 3600 متبدون جنسياتهم الأصلية، وغادر الآلاف منهم إلى بلادهم الأصلية، ويبقى الحوار هو مآل الجميع.
أقول ذلك حتى يكتفي الجميع من استغلال واضح لقضية البدون لأكثر من نصف قرن، فالأحداث الإقليمية حولنا لا تحتمل المزيد من المشاكل، خصوصا أن معظم البدون ينتمون لدول مجاورة.