مقالات وكتاب
شذوذ اقتصادي
أ. عبدالله خالد العبدالمنعم
من خلال محاضراتي ودوراتي التدريبية التي أقدمها في تخصصات الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية لجهات ومؤسسات مختلفة بين الحين والآخر، فإن أكثر التعليقات التي أتلقاها هي: البنوك الإسلامية مثل البنوك التقليدية نفس الشيء بس الفرق سلعة .. !! حتى اعتدت على هذا التعليق لدرجة الابتسامة التي تنتابني مع السؤال ليس استخفافا – حاشا لله – بل دهشة من التفكير الجمعي للناس. وأجزم أن هذا الرأي الذي يتبنّاه الكثيرون مبني في غالبه على ردة فعل من معاملات بعض البنوك الإسلامية التي لا تروق لبعضهم، سواء أكان من موظف البنك أو إجراءات البنك .. الخ، ولعل كون «الإنسان عدو ما يجهل» هي سمة غالبة أخرى على مثل هؤلاء، فلا يدري ما الفرق الفلسفي بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصادات التقليدية الأخرى؟! والسبب يرجع إلى قصور لدى بعض المختصين في الاقتصاد الإسلامي في أسلوب طرح منهجية المصرفية الإسلامية، حيث ركزوا في طرحهم – للأسف – على أسلوب وعظي ديني أكثر من كونه فلسفي عميق يلامس جوهر الحقيقة اقتصاديا.
وحتى نكون أكثر موضوعية في فهم حقيقة الفرق بين عقلية الاقتصاد الإسلامي وعقلية الاقتصاد الربوي من زاوية أكثر عمقا، وكمدخل لهذه القضية يجب أولا أن نوضح ماهية وظائف النقود اقتصاديا، فإذا أدركنا هذا سنعرف حينها الفروق الجوهرية بين الاقتصادين الإسلامي والربوي :
1- النقود وسيط في المبادلات بيع السلع والخدمات
2- النقود مقياس لقيمة السلع والخدمات
3- أداة لاختزان القيم المالية
4- أداة للمدفوعات الآجلة
وهذه الوظائف متفق عليها في اقتصاديات النقود عند الجميع بلا خلاف، بيد أن الأمر عند التطبيق يكون مغايرا تماما لدى البنوك التقليدية .. !! فالنظرية المصرفية التقليدية تؤمن بمقولة: أن النقود هي «سلع للمتاجرة»، وعليه فيصح عند الاقراض أخذ نسبة فائدة على القرض، أقرضك 10,000 دينار كويتي على أن تسدد رأسمال القرض نفسه بالاضافة إلى قيمة الفائدة ولتكن 10% أي مجموع الدين = 10,000 + 1,000 = 11,000 دينار كويتي. وهذا يسمى في اقتصاديات النقود بـ «تسليع النقود» وهو يعد «شذوذ اقتصادي» مخالف لأصل الفطرة الاقتصادية للنقود التي أوجدها الله تعالى لهذا الكون.
بالمقابل فالنظرية المصرفية الإسلامية لا تؤمن بفكرة أن النقود هي سلع للمتاجرة إطلاقا، بل ترى أن النقود «مقياس للقيمة» المالية للسلع والخدمات، وعليه فلايجوز أخذ أية فائدة على رأس المال تحت أي سبب لأنه من قبيل الربا المحرم شرعا، لكن يجوز أخذ ربح نظير مبادلة نقد بسلعة أو نقد بخدمة كبيع المرابحة أو بيع السلم، أو أخذ أجر نظير مبادلة نقد بعمل كإجارة الأشخاص .. الخ، والنقود في هذه الحالة تمثل مقياس لقيمة العمل أو السلعة أو الخدمة. منطقيا لو قلنا ببساطة أن مبادلة مالية بين دينار واحد مقابل دينارين اثنين – كحالة فوائد القروض – فلاشك أن هناك طرف خاسر وهو المقترض الذي يسدد الفائدة الزائدة، وطرف رابح وهو المقرض الذي يكسب الفائدة الزائدة، وهذا هو مكمن الظلم وغياب العدالة، لكن لو قلنا بمبادلة دينار واحد بسلعة مقوّمة بدينار واحد ففي هذه الحالة ليس هناك طرف خاسر أو طرف رابح، فالطرف الأول كسب السلعة التي قيمتها تساوي دينار واحد والطرف الثاني كسب ذات الدينار.
بعد هذا كله .. يمكننا القول أن مبدأ تسليع النقود هو أهم فرق فلسفي بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الربوي، وإلا فثمة فروقات جوهرية أخرى كاعتبار الزمن والمخاطر وغيرهما الكثير، ولعل لنا وقفة في مقالات أخرى مستقبلية بحول الله تعالى.