مقالات وكتاب
العدالة الراتبية تلغي الحسد
بقلم: عصام عبداللطيف الفليج
يعيش الموظف الحكومي صراعا نفسيا بسبب «الراتب» الذي يتسلمه آخر الشهر، وأقصد هنا المواطن البسيط لا المواطن الثري الذي يزاحم الفقراء في وظائفهم الحكومية، وسبب ذلك الصراع أمران: الضغوط المعيشية اليومية التي يعيشها (زواج، أبناء، مدارس، إيجار سكن، غلاء معيشة، سيارة.. الخ)، ومقابل تلك المعاناة لراتب محدود غير قابل للزيادة، تأتي معاناة نفسية بسبب فروقات الرواتب لنفس الوظيفة الحكومية في مكان آخر وبنفس المواصفات، والتي يصل إليها البعض من خلال علاقاتهم الخاصة.
لقد حرصت الجهات المختصة (مثل ديوان الخدمة المدنية وغيرها)، وبناء على طلب جهات العمل، على تمييز بعض الأماكن ببدلات مرتفعة لأسباب مختلفة، مثل: العمل كثير مقارنة بغيره، أو العمل يحتاج خروج الموظف إلى جهات أخرى بسيارته الخاصة أو حتى بسيارة الوزارة، أو حماية الموظف من الرشوة.. وغير ذلك من الأسباب.
فمثلا لو كان موظف حديث التخرج يأخذ في مكان ما 600 دينار، فإنه يأخذ في مكان آخر 1200 دينار، أي الضعف، ويجري الأمر على مختلف الوظائف، خاصة المحاسبين والحقوقيين الذين تختلف رواتبهم من مؤسسة حكومية لأخرى، وواسطة التعيين هي سيدة الموقف لا الكفاءة، فلا عجب أن تزرع الحقد والكراهية بين الموظفين، وينتشر الحسد بين الناس.
وأجمل ما في وساطات هذا الزمان «الاختبار الشفوي»، ففي الشفوي يتم اختيار الأسئلة وفق الموصى عليه، لدرجة أن مقدمي التوظيف عندما يلتقون بعد الاختبار، يستغربون من نوع الأسئلة السهلة أو الصعبة التي مرت على بعضهم، ولم تمر عليهم! فلا عجب أن تزرع الغيرة، وينتشر الحسد بين الناس.
والأمر الأكثر غرابة هو نهاية الخدمة عند التقاعد، فقد استخرجت بعض المؤسسات موافقات غريبة لنهاية الخدمة، تصل إلى 100 ضعف ما يناله عموم الموظفين، تبدأ من 50 ألف دينار، وتصل إلى نصف مليون دينار!! فلا عجب أن تزرع الغيرة، وينتشر الحسد بين الناس.
إننا بحاجة ماسة لإعادة تقييم سلم الرواتب والكوادر ونهاية الخدمة، فالتوحيد مطلوب تحقيقا للعدالة في الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة، سواء في القطاع الحكومي العام، أو في القطاع النفطي، أو غير ذلك.
أما الوظائف التي تكون ذات حاجة ماسة ونقص شديد، فيمكن إجراء عقود خاصة لها مع المواطن الكويتي، لها فترة زمنية وتقييم خاص، كما هو الحال مع الوافدين، من أطباء أو استشاريين أو غيرهم، دون توسع، ومع ضوابط.
وينبغي في الوظائف التي لها كوادر خاصة، أن يكون العطاء فيها موازيا للكادر، فمن غير المعقول أن أعطي كل المهندسين نفس الكادر، دون النظر إلى الاختصاص، والحاجة، والوفرة، والدور الذي يقوم به، وبين الميداني والمكتبي.. الخ من التصنيفات، فقد لا أحتاج لمهندس التكييف مثل مهندس الاتصالات، أو غير ذلك، وكل ذلك على سبيل المثال.
وحتى في تشكيل اللجان وفرق العمل، وبرامج التلفزيون والإذاعة، ينبغي أن تكون هناك عدالة ـ قدر المستطاع ـ في مشاركة الموظفين، وكما يذكر بعض الموظفين أنه لم يشارك في أي لجنة ولا أي فريق عمل ولا أي مهمة رسمية، وتنحصر التكليفات في أسماء معينة!! وتريدون الناس ما تغتاظ ولا تحسد؟!!
وأخيرا.. بعض الهيئات التي تم تشكيلها مؤخرا، بلغت رواتبهم من 10 إلى 15 ألف دينار، وبعضهم لا ينطبق تخصصه على مجال عمل الهيئة، وزملاؤهم السابقون في نفس العمل يأخذون الراتب الحكومي! وتريدون الناس ما تغتاظ ولا تحسد؟!!
إن العدالة الراتبية تلغي الحسد، فلتستعجل الحكومة لاعتماد هذا المبدأ بأسرع وقت.