مقالات وكتاب

الدولة العثمانية الثانية

بقلم: أ. عبدالله خالد العبدالمنعم

 

من مدينة طرابزون التركية والتي تطل برأسها على البحر الأسود أكتب لكم هذا المقال وأستذكر في هذا المكان قوة المارد التركي العثماني الذي هيمن على معظم العالم العربي طيلة ستة قرون مضت، ليستيقظ هذا المارد مرة أخرى بعد سبات عميق من جديد محولا تركيا كمشروع سياسي واقتصادي ضخم في المنطقة، الأمر الذي يجعلنا أشبه ما نكون أمام دولة عثمانية ثانية لكن بشكل مغاير عما كانت عليه الدولة الأولى، فكيان المجتمع الدولي بعد الحربين العالميتين يفرض على دول العالم احترام سيادة بعضها تحت مظلة الأمم المتحدة فلا مكان للتوسع الحدودي والدول العابرة للقارات .. !! كما أن واقع الدولة العثمانية الأولى بقراءة تاريخية بسيطة يدل على أنه واقع عسكري بحت يقوم على سياسة فرض الأمر الواقع، ففتوحات في أوروبا ومعارك في بلاد فارس والجزيرة العربية وتوسعات تلو توسعات .. الخ، وهذا بخلاف السياسة التركية الحالية التي تنطلق بجذور تاريخية ورؤية اقتصادية وتحالفات استراتيجية مع دول المنطقة تحت مظلة القانون الدولي.

الاقتصاد .. نعم الاقتصاد .. هو الأساس والقاعدة الصلبة التي انطلقت منها تركيا في نهضتها الحالية وأصبحت من أقوى اقتصاديات العالم أجمع، بل أضحى اقتصاد تركيا أقوى اقتصاديات أوروبا بعد ألمانيا والمملكة المتحدة، حيث تحتل تركيا المرتبة الـ17 عالميا كأقوى اقتصاد في العالم، ناهيك عن حجم الاستثمار ورؤوس الأموال الأجنبية ومشاريع التنمية الضخمة التي تنفذ هنا وهناك. وبالإشارة إلى عام 2017 ومافيه من متغيرات سياسية واقتصادية عالمية، ظل الاقتصاد التركي صامدا ومتماسكا، حيث سجلت تركيا نموا بنسبة 5% خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة باقتصاديات دول صناعية كبرى كالولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة واليابان والتي لم يزد نموها عن 1.8% خلال الفترة ذاتها. كما تراجع معدل التضخم في 2017 إلى 10.9% ويسعى البنك المركزي لخفض معدل التضخم إلى 7%، ليس هذا فحسب .. بل تسعى تركيا لتكون عام 2023 من بين أفضل عشرة اقتصاديات على مستوى العالم.

وإن جئت إلى التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة فتركيا منفتحة بأوسع الأبواب في هذا المجال، وخيرا صنعت حكومة دولة الكويت بانفتاحها الاقتصادي الواسع مع تركيا والذي تكلل بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية، والذي تجلى بشكل ناصع في دخول كبرى شركات المقاولات والشركات الاستثمارية التركية في السوق الكويتي لتنفيذ مشاريع رؤية الكويت 2035 «كويت جديدة»، منها شركة ليماك التركية التي تنفذ مشروع مطار الكويت الدولي الجديد «مطار ضخم ذو خمس نجوم» وشركات تركية أخرى تنفذ مشروع مطار الكويت المساند «مطار الخطوط الكويتية» و مشروع مدينة المطلاع السكنية وغيرها الكثير من مشاريع التنمية العملاقة في دولة الكويت، حيث تقدر مجموع قيمة مشاريع التنمية التي تنفذها الشركات التركية في الكويت بـ 6.5 مليار دولار حتى عام 2016 من خلال 30 مشروعا.

وبالنسبة للاستثمارات الكويتية في تركيا والتبادل التجاري بين البلدين .. فيكفي أن المواطن الكويتي هو الوحيد خليجيا الذي يملك دخول الأراضي التركية بجواز سفره دون تأشيرة «فيزا»، أما عن حجم التبادل التجاري فبعد أن كان يتراوح بين 600-700 مليون دولار ارتفع إلى 1.3 مليار دولار عام 2016، وتبلغ قيمة الاستثمارات الكويتية 5 مليار دولار في قطاع العقار وقطاع البنوك «الإسلامية والتقليدية» وقطاع التجزئة، كما يوجد في تركيا 280 شركة كويتية، و يوجد في الكويت 7 شركات تركية ضمن الاستثمار الأجنبي المباشر.

 

 

 

الوسوم
إغلاق
إغلاق