مقالات وكتاب

ما زالت خيوط اللعبة في يدي

بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
لم يصل العالم الثالث إلى ما نحن إليه إلا من خلال أمرين: إدارة عالمية، وانصياع تام لتلك الإدارة. ولم تتفوق تلك الإدارة إلا بأمرين: تحقيق أسباب القوة؛ من علم وسلاح وعتاد ومال وتخطيط واختراق وإعلام وصناعة.. الخ، وخضوع الطرف الآخر؛ استسلاما أو خيانة أو ضعفا أو تواطؤا أو طمعا أو غرورا.. الخ.
وبالتالي.. فلا غرابة أن نرى هناك دولا ومؤسسات عالمية تمتلك قرار كل أمر، ودعنا نقول بيدها خيوط اللعبة العالمية، ولنا أن نتخيل خريطة العالم كأرضية مسرح عرائس، ومن الأعلى تتدلى خيوط معلقة عليها دمى تحركها الأصابع كيفما تشاء، جبرا أو تواطئا، إلا ما رحم ربي.
وهذا يشمل كل العالم الثاني والثالث بلا استثناء، دول اللا قرار، سواء كانت فقيرة أو غنية، ذات كثافة سكانية عالية أو بسيطة، ذات موارد عديدة أو قليلة، ديمقراطية أو ديكتاتورية، بأي ديانة كانت وأي عرق، رغم أن جميع الدول الشرقية تتميز عن غيرها بوجود “القيم” التي تحفظ لها طبيعتها، ولديها عاداتها وتقاليدها وثقافتها الضاربة في عمق التاريخ، وهي ما تراهن عليها الإدارات العالمية في اختراقها وكبح جماحها عبر الزمن.
خيوط اللعبة تلك هي التي جعلت المارد داخل القمقم، وخلايا الإيمان بالحق تنام، وتوقظ خلايا الفتنة، وتشعل الحروب هنا وهناك، واحترفت قهر الرجال، وغلبة الدًين، وامتهان العجز والكسل، وإشاعة الفاحشة، واختراق البيوت الآمنة، وصناعة الإعلام، ونشر الإشاعة، مستغلة الدين تارة، والأعراق تارة أخرى، تحت مظلات مختلفة تظهر عند الحاجة ثم تختفي.
تنقلت الإدارة العالمية عبر التاريخ من مكانإلى آخر، فتارة كانت فرعونية ورومانية وبيزنطية وفارسية وتركمانية ويابانية وهندية وصينية، ثم أصبحت صليبية وإسلامية، وتحولت من قيادة إقليمية وعرقيةإلى قيادة دينية.
ووجدت الإدارات العالمية أن الدخول في حروب مباشرة إنما هو دخول في نفق مظلم، لمست آثارها في الحربين العالميتين 1و2، وكلفت العالم مئات الملايين من القتلى والمعاقين، فضلا عن الدمار الذي أصابهم دون غيرهم، فكان الانتقال إلى الخط العلمي والاستراتيجي، وبوجود القوة كان الأمرأسهل وأسرع وأسلس.
استفادوا من انتشار المستشرقين في العالم الثالث، وتعرفوا على ثقافات وأديان تلك الشعوب، وبدأ التخطيط للدخول من خلالها، ونجحوا، وانضم إليهم الناس تباعا، حكاما ومحكومين، فأمسكوا بخيوط اللعبة بشكل جيد، وأغرقوهم بالمال والجاه والسلطة والقوة والسلاح، وقسموهم لأحزاب وتيارات ومشايخ، ونفخوا في الطائفية والقبلية، وجعلوا الناس طبقات، ومن شذ عنهم كان مصيره الفناء!
تغلغلوا بين المعارضة والموالين المثقفين والوجهاء وأبناء الحكام، وأدخلوا الوضعاء في العسكر، ثم قلدوهم المناصب العليا،لينتقموا من الكبار والصغار معا، وما زالت خيوط اللعبة بيدهم.
أخذوا خريطة العالم، وقسموا إدارتها بينهم، وتقاسموا ثرواتها، ليبقوا هم الأثرياء، وأصحاب الأرض والنفط والمعادن والزراعة فقراء، وما زالت خيوط اللعبة بيدهم.
قسموا الهند الكبرى ذات السيادة الإسلامية إلى عدة دول، وانتزعوا من ماليزيا سنغافورة، ومن أندونيسيا الجزر، ومن الصومال جيبوتي وأوغادين، وأخرجوا التركمان من الخلافة العثمانية، وقسموها لأكثر من 10 دول، وأخرجوا العرب، وقسموهم بالقلم والمسطرة إلى 21 دولة، وما زالتخيوط اللعبة بيدهم.
حولوا الخلافة الإسلامية إلى علمانية، واستبدلوا الملكيات المستقرة بالجمهوريات العسكرية المستبدة، واستبدلوا الشاه بالخميني، ومكنوا اليهود من احتلال فلسطين، وساندوا الربيع العربي ثم قلبوا عليه المجن، ودمروا الشام والعراق واليمن ومصر وليبيا وباكستان وأفغانستان وماينمار ولبنان والصومال.. والحبل على الجرار، وما زالت خيوط اللعبة بيدهم.
لم ولن يقبلوا بديمقراطية يصل من خلالها المحافظون (وليس الإسلاميون) إلى البرلمان وليس الحكم، وما زالت خيوط اللعبة بيدهم.
أرسلوا اللاجئين إلى العالم الغربي لخدمتهم، ولتغطية نقص العمالة لديهم،وتناقص الشباب عندهم، ومحاولة بعيدة المدى لتحويلهم عن دينهم وتراثهم وقيمهم،وما زالت خيوط اللعبة بيدهم.
فشلوا في الصومال فدمروها، وفشلوا في تركيا فألبوا الإعلام والأكراد عليها، وانتقلوا من خطة إلى أخرى تأكيدا بأن خيوط اللعبة ما زالت بيدهم.
لم يعملوا بالخفاء، إنما كانوا واضحين في كل خطوة يقدموا عليها، ويعلنوا كل مشروع توسعي أو تغييري أو انقلابي في المنطقة بأساليب مختلفة، وتميزت الإدارة العالمية بتبادل الأدوار، فوزير يؤيد وآخر يعارض، وإعلام متدفق، ووسائل تواصل اجتماعي متميزة، فأعلنوا عن خارطة الشرق الأوسط الجديد دون تردد، تأكيدا بأن خيوط اللعبة ما زالت بيدهم.
ونعيش الآن إحدى الألعاب التي انتقلت إلىخليجنا العربي الآمن، رغم حجم العلاقة الكبيرة مع تلك الإدارة العالمية، لكنه الطمع والجشع في اقتناص أكبر المكاسب تاريخيا..المال والدين، كيف لا.. وخيوط اللعبة ما زالت بيدهم.
إنها رسالة للعالم بأن “خيوط اللعبة ما زالت في يدي”، فمن يجرؤ؟!
أسأل الله أن يكشف هذه الغمة عن خليجنا الآمن وعن الأمة الإسلامية، بعز عزيز، أو بذل ذليل، وأن يكشف الخونة والعملاء، ويرفع المخلصين الأنقياء الأتقياء.

 

الوسوم
إغلاق
إغلاق