محليات
إلى متى التلاعب بتوظيف الشباب؟!
بقلم: د.عصام عبداللطيف الفليج
ينتظر أبناؤنا الخريجون الفرص الوظيفية على أحر من الجمر، ومن حقهم أن يبحثوا عن الوظيفة التي تلائمهم من حيث الراتب والتخصص والمكان والمسمى.. وغير ذلك من الاختيارات المتاحة، إلا أن الكثير من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية التي عليها طلبا كبيرا؛ أصبحت تفتح وتغلق باب التوظيف وفق قرارات فردية (أو علوية)، وأضحت تضع العراقيل لطالبي التوظيف، وباتت شبه محتكرة على فئات معينة من الناس، هي أقرب إلى الوراثة، وكأنها شركة مقفلة!
والمشكلة أن بعض هذه المؤسسات لا تدخل ضمن تعيينات ديوان الخدمة المدنية الالكترونية، فتفقد فيها العدالة والمصداقية، وتدخل فيها الواسطة والانتقائية والمحاصصة.
يذكر مسؤول سابق؛ أنه في وقت سابق، رفع للوزير 100 اسم موظف جديد، تم اختيارهم بعناية وفق المقابلات والمعايير والاختبارات المعدة لذلك، فقال الوزير: دعكم من هذه الأسماء، أنا سأختار. ثم قسم الأسماء على القبائل والعوائل، حضر وبدو، سنة وشيعة، بنسب وتوصيات معدة سلفا. وعلق المسؤول: أولا: يفترض ألا تعرض هذه الأسماء على الوزير، فهي من اختصاص شؤون الموظفين، ثانيا: هناك من لا تنطبق عليهم الشروط تماما، فكيف تم قبولهم؟! ثالثا: لم عملنا كل هذه اللجان والاختبارات والمعايير الدولية والفنية والتخصصية، وكلها بمكافآت مالية مجزية للوكلاء والمدراء، كلفت الدولة الشيء الكثير؟!
اعتقد الكثير أنه بعد التوظيف الالكتروني من الخدمة المدنية، والمعايير المعدة لكل وظيفة بما فيها العسكر، والتوصيف الوظيفي لكل المهن، اعتقدوا أن مشكلة التعيين بالواسطة قد حلت، أو على الأقل خفت بنسبة كبيرة، إلا ان الأمر ما زال معقدا بنسبة كبيرة أيضا، ويحتاج لتفسير. وحتى لا يكون الكلام جزافا، سأضرب أمثلة على ذلك..
• تخرج شاب تخصص “تسويق” بتفوق، وحصل على قبول مباشر في إدارة القرآن الكريم بوزارة الأوقاف وهي ليست ضمن اختياراته، وليس لها علاقة باختصاصه، رغم أنه قدم طلب تعيين في عدة مؤسسات من تخصصه ولم يقبل بها، ورغم أن عدد المتفوقين 6 فقط!
وتقدم هذا الشاب للتوظيف في عدة مؤسسات وشركات حكومية وشبه حكومية، ولم يتم قبوله في أي منها منذ 6 سنوات، رغم اجتيازه كل الشروط.. المعدل والتخصص واللغة، والآن أضاف لها خبرة عملية 6 سنوات!
• تتقلب المؤسسات عند الإعلان عن التعيين فيها، فتارة تطلب موظفين جدد، وتارة تطلب من لديهم خبرة، وكأنها تفصل الطلب على قياس من تريد تعيينهم!
• هناك هيئات تفتح مرة واحدة في العام لقبول الخريجين الجدد، ولكنها باتت تؤجل وتؤجل دون سبب واضح، حتى أنها تعلن تاريخا لقبول الطلبات، ثم تؤجله، دون إعلان السبب!
• هناك وظائف معروفة يتم فتح القبول فيها كل عام بتقدير جيد جدا، وعدد المتقدمين أكثر من الحاجة، ومع ذلك.. فلأول مرة يتم تخفيض معدل القبول إلى جيد، وكشف الخريجون السبب في تويتر؛ وهو أن ابن أحد المسؤولين في ذات الإدارة، تقديره جيد!
وجرى نفس الأمر في مؤسسة (قانونية) أخرى، واعترض المسؤولون فيها على تخفيض المعدل عندما اكتشفوا أن ابن أحد القياديين تقديره جيد، ورفعوا شكوى اعتراضا على ذلك.
وكما قيل.. من له حيلة فليحتال، فقد وضعت معظم المؤسسات أمورا تساعدها على اختيار من تريده، مثل الاختبار الذي لا نعرف من يصححه وكيف يتم تصحيحه، والمقابلة الشفوية التي تتفاوت فيها الأسئلة من شخص لآخر، وأسئلة لا يعرف سائلوها الإجابة، وأسئلة ليس لها علاقة لا بالتخصص ولا بالعمل، والنتيجة تعيين الأقل كفاءة، والأقل معدل، والأكثر وساطة!!
ولعل في الجعبة كثير، ولو فتحنا الباب ليطرح كل شخص موقفا من هذا النوع، لما كفتنا صفحات وصفحات.
أضف إلى ذلك.. أن جميع أولئك المسؤولين ممن يمتلكون شركات، لا يطبقون هذه الأساليب في شركاتهم، بل يحرصون على الأكفأ حتى لو كان وافدا، وعنصريا، وطائفيا، لأنه مالهم وليس مال الدولة!
أذكر ذلك وأنا أشعر بالأسى لآلام هؤلاء الشباب الذين درسوا واجتهدوا، ليصطدموا بواقع مؤلم، بعيدا عن الأحلام التي بنوها لأنفسهم وذويهم، وكيف يعيشون محبطون طيلة فترة عملهم في مجال ليس من اختصاصهم، جبرا وليس اختيارا، ويرون أقرانهم الأقل معدلا وقدرة ومستوى وفكرا وثقافة قد تقلدوا الوظائف الهامة والمتميزة!
ولو رأى الشباب العدالة في كل شيء لما اشتكوا، ولو توحدت الرواتب لذات الوظائف لما حصلت كل تلك المشاكل، ولو عايشوا المساواة لانتفى الحسد، ولو ابتعد المسؤولون عن المحاصصة التي قسمت المجتمع لما غضبوا، ولو.. ولو.. لاستقرت الأمور، وهدأت النفوس، ولكن أنى لهم في مجتمع أصبحت ثقافته “التجاوز”؟!
هي دعوة لأصحاب القرار في مؤسسات الدولة بنشر العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، حتى لا يعيش الشباب وفيه من الحقد والغل، ونشتكي بعدها: لم يتحلطم الناس، أين الولاء والعطاء، وأين الإخلاص والعمل؟!