مقالات وكتاب
استجواب جابر المبارك والاستقرار السياسي!
بقلم: عبدالرحمن المسفر
ليس معقولا أن تنشلّ البلد مع كل استجواب يُقدم إلى رئيس الحكومة انتظارا لما ستؤول إليه الأمور، إما تصعيدا ومزيدا من الأزمات ،وإما انفراجات وقتية سرعان ما تتحول إلى عواصف سياسية ، وكأننا ندور في حلقة مفرغة ، نكرر أخطاءنا ، ولا نستفيد من تجاربنا، وخياراتنا في نسج الحلول لا تتغير، بل بات معظمها يحفظها متطفلوا السياسة وأطفالنا الصغار.
الاستجوابان المقدمان إلى سمو الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء هذه الأيام ، هما مناسبة حديثي عن هذا الموضوع المؤرق المتعلق بمساءلات رئيس الحكومة وما تشكله من حال خانقة تؤثر سلبا على المزاج العام وتجعل الاستقرار السياسي في وضع يُرثى له ، وبلا شك ، فإن أعمدة دخان الشائعات والتكهنات والتسريبات المتعمدة تُغطي سماء المشهد السياسي بغيوم سوداء، توحى لنا بأنه ليس لدينا من قضايا وإشكالات إلا الاستجوابات الموجهة إلى رئيس الحكومة .
ما أقوله ليس ضربا من المبالغة أو تضخيما لأشياء لا أصل لها في الواقع ، فالناس ما بين ذاهب إلى إبطال مجلس الأمة وما بين متيقن بحله ، وهناك من يراهن على خروج الحكومة من مآزق إرغام رئيسها على صعود المنصة أو خروجه سالما إذا اقتضى الأمر ، وذلك بالطرق المعتادة : طلب التأجيل ، إخضاع الاستجواب لدراسة اللجنة التشريعة ، الإحالة إلى المحكمة الدستورية ، دمج الاستجوابات ، شطب بعض المحاور لعدم دستوريتها، ناهيك عن عمليات الحشد والاستقطاب والتحييد وإبرام الصفقات في حال عزمت الحكومة على قبول دفع رئيسها لخوض غمار الاستجوابات ، وإذا سلمت الجرّة مرة ، فلن تسلم من الكسر كل مرة.
هاجس ( استجواب رئيس الوزراء ) ليس له إلا حلان لا ثالث لهما ، إما أن يشرب سمو الرئيس الشيخ جابر المبارك كما يقول المثل: (حليب سباع) ، ويواجه أي مساءلة تُوجه له وفق استعدادات واسعة النطاق وعالية المستوى تمتد إلى الرأي العام والنخب والأوساط الشبابية ، وتدار باحترافية سياسية وإعلامية من خلال وسائط الاتصال الحديثة والإعلام التقليدي ، وبهذه الطريقة تضعف شهية المستجوبين في استعمال هذه الأداة ، وفي المقابل تتخلص الحكومة من ( عقدة استجواب رئيسها) ، وتصبح مناعتها في تلقي خبر مساءلات رئيس مجلس الوزراء قوية إلى حد أنها تقول لمقدم الاستجواب : أهلا بك ، فرئيس الحكومة ينتظرك على المنصة!!
أما الحل الثاني ، فهو الشروع بفتح باب تعديل الدستور الكويتي الذي مضى عليه ما يقارب ٥٥ عاما ، لدواع موضوعية ووطنية وواقعية ، وتكون هذه الفرصة إذا تهيأت بمثابة مناسبة سانحة لإعادة النظر في ترشيد أداة الاستجواب وتقنينها ولاسيما فيما يتصل بمساءلة رئيس السلطة التنفيذية ، على أن تكون التعديلات المقترحة على نصوص الدستور أو الزيادات ضمن إطار توافقي مع مجلس الأمة ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسة الفاعلة والنخب المثقفة والاكاديمية ، ويكون -بالطبع- للرأي العام نصيب من المشاركة في هذه التنقيحات الدستورية.
هناك من يتحدث في هذه الفترة عن أصوات تدعو لتعليق بعض مواد الدستور وتعطيل مجلس الأمة ، والأسباب تدور حول فكرة عدم الاستقرار السياسي نتيجة الإفراط أو الابتزاز في استخدام أداة الاستجواب وخصوصا القفز بها مباشرة إلى رئيس الحكومة والتعمد في تجاهل استعمالها ضد الوزير ذي العلاقة ، ومادام أن هناك نصوصا دستورية تجيز لعضو مجلس الأمة استجواب رئيس الحكومة ، فمن الصعوبة منعه حتى وإن انحصر ذلك في إطار مساءلته عن السياسة العامة ، وتأيد ذلك بحكم من المحكمة الدستورية ، فألفاظ نصوص الدستور تدور ما بين المقيد والعام ، والمذكرة التفسيرية لم تشرح أو تقف عند كل المواد، ولذا ، فالممارسات والتجارب البرلمانية الحكومية تستدعي إعادة النظر في الدستور بما يؤدي إلى التكامل والتناغم في اختصاصات السلطات الثلاث ، وكذلك عدم افتئات إحداها على الإخرى تداخلا في المسؤوليات أو انتزاعا لشيء من سلطاتها.
الخوف من تعديل الدستوري ، يجب أن تلغيه اعتبارات تطوير الحياة السياسية وبقاء الديمقراطية وإطلاق عجلة التنمية وسلامة النوايا والمقاصد وتدشين حوار وطني هادف ، وهذا كله لن يتحقق بالصراخ وصناعة التأزيم والتشكيك في دوافع مثل هذا التغيير المستحق، وخلافا لذلك ، سنظل في مكاننا نراوح ، نصنع تارة أبطالا من ورق، وتارة أخرى نُمكن متسلقين من ملأ جيوبهم وأرصدتهم بأموال المواقف السياسية ، وثالثة نفسح المجال للمراهقين لتولى المسؤولية العامة ، وربما إذا طفح الكيل أصبح ما يُروَّج عن (تعليق الدستور) خيارا اضطراريا ، لا يمكننا التنبؤ بتبعاته إن حدث فعلا .
أخيرا: ،الواقع ، مستجدات الحياة ، التجربة البرلمانية ، تحقيق الاستقرار السياسي… كل تلك المعطيات تؤكد أن تعديل الدستور بات ضرورة ملحة، وتبقى المواءمة السياسية والتوافق حول التعديلات المفترضة هما المحك في كسر رهاب الخوف الذي استمر ما يزيد عن نصف قرن .فمتى سيكون ذلك وكيف؟!.