مقالات وكتاب
الميناء المكسو بالحرير
بقلم: عبدالله العبد المنعم
عندما أعلن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رؤيته لدولة الكويت نحو التحول ألى مركز مالي وتجاري عالمي، وتبع ذلك انطلاق رؤية «الكويت 2035» التي احتوت على أكثر من محور لتحقيق ذلك الهدف. وبغض النظر عن المحاور والأبعاد لهذه الرؤية، ننثر بين يدي مائدة القارئ الكريم قراءة تقييمية موضوعية لمشروع تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري لوضع النقاط على الحروف لأهم أركان تشييد هذا المشروع.
هناك عدة عوامل يجب مراعتها في أي دولة من دول العالم لاعتبار وجود مركز مالي وتجاري فيها من عدمه، لكن قبل الخوض في تلك العوامل تجدر الإشارة أن المركز المالي أو التجاري مرتبط بالمدن أكثر من الدول، فلا يصح القول أن الصين هي مركز مالي وتجاري .. !! بل بيجين هي مركز مالي و قوانزو مركز مالي .. الخ وكلها مدن صينية، وبالنظر الى هذه المعادلة نقول أيضا أن سنغافورة ونيويورك ودبي وغيرها من المدن هي مراكز مالية وتجارية عالمية. عودة إلى العوامل من جديد .. أهم عامل يجب تسليط الضوء عليه لإنشاء المراكز المالية العالمية؛ وجود أرضية تشريعية وقانونية تسهل بيئة الأعمال والتجارة، فالدول التي لا زالت تكتوي بنار البيروقراطية والروتين الإداري وطول الدورة المستندية لا يمكن أن تنطلق نحو مشروع المركز المالي مالم تتحرر من هذه القيود المعيقة نحو التقدم، فرجال الأعمال يبحثون عن كل ماهو سهل ويسير بل و مبدع في تأسيس وإدارة شركاتهم من الألف إلى الياء.
العامل الثاني .. تشجيع دخول المستثمر الأجنبي وإغرائه، فعقلية اشتراط وجود شريك كويتي مع الأجنبي في أي مشروع والتي مازالت تعشعش في أذهان البعض يجب أن تنتهي إلى الأبد، كما أن مبدأ تملك المستثمر الأجنبي للعقار الاستثماري يجب أن يسود وكذلك الإعفاءات الضريبية وغيرها من المميزات. ولا أعني هنا فتح باب الاستثمار الأجنبي على مصراعيه لكل من هب ودب من المشاريع الأجنبية غير المربحة، إن المقصود هو استقطاب الشركات العالمية الكبرى لاسيما في مجال الصناعات والتكنولوجيا والاقتصاد المعرفي والتي تعزز من الناتج المحلي وتحلق بالاقتصاد الكويتي نحو المجد، مع إلزامها بتعيين نسبة لا بأس بها من الأيدي العاملة الكويتية.
أخيرا وليس آخرا .. العامل الثالث والذي يتضمن تشييد ميناء عالمي ضخم، فالموانئ التجارية الكبرى تشكل «حجر الأساس» لأي مركز مالي وتجاري عالمي، من دون الميناء لا يمكن بأي حال من الأحوال إقامة مركز مالي مطلقا، فهما توأمان لا ينفكان عن بعضهما، ولو أسقطنا هذه المعطيات على الكويت نجد أنها تتمتع بأساس تاريخي وجغرافي، فتاريخيا وقبل ظهور النفط كانت الكويت مركز تجاريا للمنطقة، فالهجرة إليها من أقاليم مجاورة ماكانت لتتم لولا أنها كانت كذلك، سواء من الإحساء و نجد و البصرة والزبير وساحل بلاد فارس، أما جغرافيا فالموقع الاستراتيجي الذي يربط دول الخليج والجزيرة العربية من جهة وإيران والعراق من جهة ثانية تشكل الكويت بوابته نحو تأسيس ميناء جديد ضخم في المنطقة، هو ميناء مبارك الكبير.
ميناء مبارك الكبير يرسم اللوحة الجميلة للمركز المالي المنتظر، ورغم تكرار سماعنا لمشروع «مدينة الحرير» دون أن نرى شيئا على أرض الواقع من سنوات، إلا أنني أعتقد أن فكرة مدينة الحرير مع وجود ميناء مبارك الكبير هي الأنسب للمركز المالي التجاري لدولة الكويت، ولقد اطلعت قبل فترة على موقع إلكتروني أجنبي متخصص بالموانئ العالمية اسمه (Ports Strategy)، ذكر في تقرير له: أن ميناء مبارك من حيث تصميمه وحجمه سينافس موانئ دبي. ولا أعتقد أن المطلوب هو التنافس بقدر ما نطمح الى التكامل، ورغم أن موانئ دبي وبالأخص ميناء جبل علي من أفضل وأكثر الموانئ تطورا في العالم، إلا أن ميناء مبارك يتميز بموقع جغرافي استراتيجي فاخر، هذا إذا استثنينا الحجم الضخم والمميزات الأخرى المساندة لهذا الميناء الموعود، لا ننسى أن الميناء يقع على شرقي جزيرة بوبيان ويبعد عن المياه الإقليمية العراقية نحو ٤ كم فقط، فضلا عن القرب الجغرافي البحري مع العراق وإيران ناهيك عن ربط السكك الحديدية مع السعودية ودول الخليج. ورغم علمنا أن مشروع الميناء يسير نحو الإنجاز كما أن العلاقات الكويتية العراقية على الصعيد السياسي في حالة جيدة. إلا أنه يبقى سؤال عالق في ذهن كل مواطن كويتي: متى سيتم تشغيل الميناء؟!!