مقالات وكتاب

سوق العقار .vs سوق الأسهم

 

بقلم: أ. عبدالله خالد العبدالمنعم
بعد اكتواء العالم بنيران الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ ووصول لهيبها إلينا في منطقة الخليج، أصيبت أسواق الأوراق المالية بعد ذلك بحالة ذهول وركود شديد تلتها هجرة معاكسة بعد أن كانت البورصة هي الملاذ لسيولة للمستثمرين، في تلك الفترة أضحى المستثمرون ومن لديه فائض لا بأس به من السيولة يولي وجه شطر قطاع العقار، لانخفاض نسبة المخاطر السوقية من جهة ولإيمانه بالمثل الشعبي القائل: ( العقار يمرض لكن ما يموت)، في ظل الانتعاش الاقتصادي التدريجي بعد سنوات من الأزمة العالمية والإفاقة البطيئة من صدمتها. كل هذه المعطيات الاقتصادية ولدت ضرورة لاستغلال المدخرات النقدية للمواطن الخليجي البسيط في سوق العقار استثمارا وتجارة، لاسيما مع خفض نسبة الفائدة والعوائد على الودائع المصرفية الأمر الذي شجع إلى دخول السوق أكثر وأكثر.

لكن الملفت للنظر الغلاء الفاحش لسوق العقار الكويتي في جميع قطاعاته السكني والاستثماري والتجاري، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة المعروض والمضاربات وعوامل ساهمت بارتفاع جنوني لأسعار العقار، فأدى هذا لاتجاه تفكير المستثمر الكويتي إلى أسواق عقارية خليجية وتركية وأحيانا أوروبية بغية استغلال المدخرات والسيولة النقدية لغايتين: الأولى، الاستثمار طويل الأجل، الثانية، التحوط من التضخم (Inflation Hedging). وهنا أذكر ولا أنسى أنني تحاورت يوما مع أحد الأصدقاء السعوديين المتخصصين في العقار فتفاجأت أن سعر متر لخلو محل تجاري في أحد أكبر المجمعات التجارية لدينا – كالأفنيوز – أغلى من سعر متر لأحد أرقى الأحياء السكنية في مدينة الرياض .. !! قد يراه البعض شيئا مضحكا، لكني أراه من زاوية الأسى والحزن للارتفاع الصاروخي غير المنطقي لأسعار العقار في الكويت.

ومع بزوغ شمس أزمة هبوط أسعار النفط إلى مادون أسعار التعادل لموازنات دول مجلس التعاون الخليجي، وما صاحب ذلك من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، بدأ شبح الركود يجول فوق سوق العقار من خلال تراجع المبيعات وانخفاض نسبي متفاوت للأسعار، ففي دولة الكويت أضحى تراجع أسعار العقار بشكل بسيط هو سيد الموقف، في ظل انخفاض التداولات بسبب القيود الصارمة التي وضعها البنك المركزي على التمويل العقاري، بالإضافة إلى أن التعرفة الجديدة لأسعار الكهرباء والماء تساهم في الضغط على أداء السوق. كما يجب ألا نغفل طرح وتوقيع عقود مشروع مدينة المطلاع السكني، وهو أحد أضخم المشاريع السكنية العملاقة ليس على نطاق الكويت فحسب بل على المنطقة ككل، والذي أدت أيضا – مع طرح المشاريع الإسكانية الأخرى – في نزول تدريجي للعقار السكني. من جهة أخرى مماثلة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، فالرسوم على الأراضي البيضاء والحرب في اليمن مع عوامل أخرى أدت إلى النتيجة ذاتها.

وتزامنا مع الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها الخصخصة لكثير من المرافق العامة والمشاريع التنموية، ففي الكويت أعلن مجلس الوزراء مؤخرا – استنادا إلى قانون مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص – عن ميزانية ١،٦مليار دينار لمشاريع الشراكة يكون ٥٠٪‏ من أسهمها لاكتتاب المواطنين منها: مشروع محطة شمال الزُّور لتوليد الطاقة الكهربائية، والمتوقع طرح اكتتابها خلال الأشهر القادمة، ومشروع معالجة نفايات البلدية الصلبة في منطقة كبد، ومشاريع أخرى كمستشفى جابر في حال تخصيصه، و ٣٨ شركة أخرى لمشاريع تنموية ستملكها الدولة تطرح للاكتتاب العام للمواطنين خلال السنوات المقبلة، وذلك استنادا إلى تصريح حكومي سابق إزاء ذلك. أما في السعودية فهناك طرح ضخم لـ٥٪‏ من شركة أرامكو النفطية خلال السنتين القادمتين، بحيث يكون اكتتاب خارجي يتم إدراجه في البورصات العالمية.

ومع حمى الاكتتابات وطرح الأسهم للتداول، والتسابق الكويتي – السعودي على تصكيك رأسمال أصول سيادية ومشاريع تنموية، فإن دول الخليج الأخرى كالإمارات وقطر وربما البحرين وعمان لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستسارع هي الأخرى إلى طرح اكتتابات لأسهم أصول ومشاريع سيادية ضمن حزمة الإصلاحات الاقتصادية الحكومية. فهل سينعش هذا كله سوق الأسهم والتداول في البورصات من جديد؟! ويرجع سوق الأسهم لعصره الذهبي كما كان قبل عقد من الزمن؟ ويصبح هو ملاذ للاستثمار بعد ركود العقار؟ تساؤلات كثيرة ربما تكون الأيام القادمة حبلى بالإجابة الشافية.

 

الوسوم
إغلاق
إغلاق