مقالات وكتاب
رؤية الزميع الإصلاحية في ديوان الطريجي
بقلم: عبدالرحمن المسفر
زرت السبت الماضي ديوان الصديق العزيز النائب السابق الدكتور عبدالله الطريجي ، حيث تجد هناك الترحاب غير المتكلف والابتسامة غير المصطنعة ، وهذا الاستقبال ليس بعيدا عن شخصية الطريجي السياسية المتسمة بالجدية والمقاتلة الشرسة لا سيما إذا تعلق الأمر بأمن الوطن وسيادته وحرمة المال العام ومحاربة الفساد بشتى صوره .
في عالم السياسة ربما يخسر المرء أقرب الناس إليه من أهل وصحب وزملاء دراسة أو مهنة بسبب تصريح أو موقف أو ما سوى ذلك ، والعبرة – بالطبع – ليس في رضا الناس واستحسانهم لما تقول أو تفعل ، وإنما فيما تصنعه من خير وإنجاز لوطنك وأمتك ؛ فإرضاء الناس غاية لا تدرك.
في ذلك المساء الجميل الممطر الذي حطت فيه رحالنا عند( أبي أحمد) الطريجي ، شاءت المقادير أن يزور الديوان وزير التنمية والتخطيط السابق الدكتور علي الزميع ، وكان لا بد أن نقتنص هذه الفرصة لنضع المفكّر الزميع على منصة المساءلة
ونباغته بتساؤل مكثف و مستحق : لماذا انعزلت يا دكتور علي عن المشاركة الفكرية والتنظيرية في قضايا الشأن العام ومن أبرزها إصلاح الواقع السياسي وتطوير أداء الجهاز التنفيذي وتكريس قيم المواطنة ومواجهة تحديات الفرز الاجتماعي فضلا عن تبيان قراءتك لآفاق المستقبل على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟!
الدكتور علي الزميع الأكاديمي المتخصص في التاريخ السياسي وذو الباع الطويل في العمل الحكومي حيث كان وكيلا لوزارة الأوقاف ثم أصبح وزيرا لحقيبتين حساستين في عرف الدول المتقدمة ، أكد أنه ما زال فاعلا في صوغ أفكاره ورؤاه ولكن ليس في ساحات الاستعراض والشعارات-كما يقول-، بل إنه يعمل في إطار مطبخ نوعي لتحضير الأفكار وبنائها على حد تعبيره ، إذ أنشأ مع بعض الأكاديميين والمفكرين مركزا لإصدار الأبحاث والدراسات النظرية والتحليلية لتقديم المعالجات والحلول بأسلوب علمي ومؤسسي .
علي الزميع ، كان من الوزراء القلائل الشجعان الذي تسلموا مناصبهم الوزارية وهم يحملون مشروعا واضح المعالم ينشد التطوير الجذري ومواجهة الاختلالات التي خلفتها البيروقراطية وطول الدورة المستندية والفراغات التشريعية وضعف مستوى إنتاجية الفرد إضافة إلى
إشكالات جودة العمل وكذلك صد هجمات الواسطة والمحسوبية وما إلى ذلك.
الزميع يراهن من وجهة نظره على أن المخرج لإصلاح الواقع السياسي ينبغي أن ينطلق من رؤية وطنية تلتقي حولها القوى السياسية ، ويكون ذلك مناسبة مواتية لاستعادة فاعلية النشاط المجتمعي السياسي وتصحيح الأخطاء والممارسات المرتكبة من بعض العناصر، مستدركا بأننا يجب أن نتعاطى مع برامج عمل ونهج مؤسسي، ولا يستغرقنا تسليط الضوء على سلوك الأفراد السياسي .
لم يخف الزميع خشيته من هزات اقتصادية مستقبلية ربما تغير من خياراتنا في الصرف المالي والاستهلاك، وما قد يستتبع ذلك من تأثير على حركة الأنشطة التجارية والاستثمارية وبيئة المال والأعمال وكذلك إعادة تقنين أبواب الموازنة العامة انعكاسا لكل تلك التطورات المتوقعة، والحل كما يرى الزميع لامتصاص هذه الصدمات هو العمل المؤسسي الحثيث ومن الآن لدراسة تحديات الموقف الاقتصادي ووضع الحلول العملية الكفيلة لتطويق آثاره.
كان الحوار مع الزميع في ديوان الفاضل الطريجي ثريا وعميقا وذا أبعاد متشابكة ،فكم نفتقد في مثل هذه المرحلة إلى تلك النقاشات المفيدة التي تشخص سلبيات الواقع وتعمل جاهدة على بلورة المقاربات المناسبة له.. فهل نستعيد لغة الفكر في تصحيح أوضاعنا الراهنة أم أن لغة التكسب السياسي هي من ستظل تقود المشهد العام؟!
أخيرا : تطور المجتمعات ونماؤها رهن بفعالية النخب ومشاركتنا رؤية وتنفيذا في صناعة القرارات السياسية ولاسيما ما كان منها متعلقا في استثمار قدرات الدولة ومواردها في الاتجاه الصحيح.