أخبار

ما بين انطلاقة وعودة «طروس»..

ومهمة عودة المشهد الثقافي الحقيقي هي مهمة صعبة جدا، وكذلك عودة الكتب الحقيقية ذات المحتوى العلمي، في ظل انتشار الكتب الرديئة التي تحظى بتسويق ودعم كبير.

وبعد انطلاقة المكتبة وهي تسير بجانب مركز الدراسات، وبدأ يتوافد عليها روادها، وبدأ يلمع اسمها بين المكتبات في الوطن العربي، وبدأت تصنع جمهورها، وتركنا أفكارنا ووضعنا تخصصاتنا الدراسية جانبا حتى لا يؤثر على العمل، ويكون مركزا محايدا يجمع كل الأطياف، كان كثير من الناس ينظرون لهذا الإنجاز الكبير وهذا الصرح الشامخ وهو يوم بعد يوم يكبر وينمو ويتوسع، لكنهم لم يشاهدوا العقبات التي كانت أمامنا، ولا الصعوبات التي واجهتنا، كنا كأننا نسير في طريق مظلم ووعر، لكننا كنا نؤمن إيمانا حقيقيا بأن نهاية الطريق سوف تكون مضيئة مثمرة مبشرة بكل خير.

نجحت «طروس» في بدايتها وعند تأسيسها وما أصعب التأسيس! وبعد ثلاثة أشهر من انطلاقة رحلة مركز «طروس»، فإذا تضربنا عاصفة جديدة لم نصدقها كأننا في حلم، ألا وهي أزمة فيروس كورونا، نسأل الله أن يحفظنا وكل المسلمين، ونحن حين نصارعها، ونحاول تجاوزها تساقطت شركات ومؤسسات كبرى تشتغل في السوق منذ عشرات السنين، بينما المؤسسة حديثة العهد تصر على البقاء، ذهب الرواد إلى محجرهم الصحي في بيوتهم، وابتعد الناس بسبب الحظر! وهناك من أتى فازعا كيف لنا أن نتجاوز هذه الأزمة، وما الدور الذي يمكن أن نقدمه؟ فالتحدي الأكبر في أننا ننهض من جديد، فبدأنا نرتب صفوفنا من جديد كأننا في معركة، نقلنا من في المقدمة إلى المؤخرة ومن في الميمنة إلى الميسرة، وتجهزنا ورفعنا الراية بين صفوفنا مكتوبا عليها شعارنا بأننا «نسير للتأسيس والبقاء»، وإن شاء الله سنظل نعمل في ظل الأزمة، وسوف نؤسسها من جديد، وبعمل كبير يظهر بعد رحيل الجائحة!

إن أحد أهم الأمور التي تجعلنا لا نقبل بخيار آخر غير النجاح والتميز هو ما حملنا إياه الناس من مسؤولية لرفع مستوى الوعي الثقافي والسياسي والفكري، وحضورهم الكثيف يوم افتتاح «مكتبة طروس» يوم ٢٥/١٢/٢٠١٩، برعاية كريمة من الشيخ مبارك العبدالله المبارك الصباح، الذي أكرمنا بتواجده منذ قص شريط الافتتاح حتى نهاية الحفل.

ومنذ أن اتصلت على مكتب الشيخ مبارك، وتحديدا على الأستاذ الكريم علي المسعودي مدير دار سعاد الصباح – وأبوباسل حقا رجل شهم ووفي مع رفاق دربه – وافقوا على الرعاية، وبدأنا نجهز للافتتاح فأعلنا عن الافتتاح الرسمي، فتعرفت على بعض الجوانب عن أبي عبدالله، ومنها التواضع والكرم، فقدمت له هدية لرعايته للحفل، وكانت الهدية ألبوما تاريخيا في عهد السلطان عبدالحميد الثاني أثناء حكم الشيخ مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة، فإذا الحفيد يسألني عن أدق التفاصيل التاريخية في تلك المرحلة كأنه عايشها إبان حكم جده الشيخ مبارك وحكم السلطان عبدالحميد، فشاهدته يوم الحفل يجلس على يمينه الحضري، والبدوي بجانبه الآخر يسأل عن أحوالهم، ويجلس مع المشايخ مع شيخنا الدكتور إبراهيم الرفاعي والدكتور محمد العوضي، ومع غيرهم من التوجهات الأخرى، فقال لي أحد المثقفين المتواجدين في الحفل: شخصية الشيخ مبارك تعتبر شخصية متميزة في حفل افتتاح المكتبة الذي شهد تنوعا واسعا من كل الأطياف في يوم ثقافي سياسي فكري تاريخي، وذلك لكونه من أسرة محبة للخير، وراعية للأدب والثقافة في الكويت، وهو شخصية بعيدة عن الصراعات والاصطفافات السياسية، وبعيدا عن التصنيف والتخندق في أي معسكر من المعسكرات السياسية، فرجعت للتاريخ بتقرير للسفير البريطاني في الكويت عام ١٩٥٤م أرسله للخارجية البريطانية عندما زار الملك سعود بن عبدالعزيز الكويت، أقام الشيخ عبدالله المبارك الصباح حفل غداء للملك سعود في مخيمه في الشدادية، فقد وصفه السفير بأنه قد فاق الحدود فقد جمع كل الأطياف السياسية والاجتماعية، وكان عدد الذين تناولوا وجبة الغداء من الضيوف 120 ضيفا وتجاوز الحضور الستمائة (٦٠٠) شخص، وذكر في التقرير أن الشيخ مبارك قدم 120 خروفا و10 جمال و600 سمكة من نوع زبيدي.

وكذلك لا ننسى دور والدته الشيخة سعاد الصباح الرائد في خدمة الثقافة الكويتية ودعمها لأعمال الخير بوطننا الحبيب، وكم أتمنى أن تسعى الشيخة سعاد الصباح لتأسيس جمعية الناشرين الكويتيين، وذلك لكونها مثقفة وأديبة، ومؤسستها هي أقدم دار نشر في الكويت.

كل النجاحات تدعونا لأن نضاعف العمل في ظل هذه التحديات، وذلك في ظل العزوف عن الكتب العلمية كما يقول خالد جمعة الميعان ـ رحمه الله ـ صاحب مكتبة العروبة: «إن العلف يدعم، والكتاب لا يدعم»، وفي ظل التمييز بين المكتبات، ومنها الطبقية والمحسوبية، ولكن بإيماننا وأصدقائنا وأحبابنا سوف ننجح، وننهض من جديد، ونعود أقوى مما كنا، ونقوم بصناعة التاريخ.

(الانباء)

إغلاق
إغلاق