مقالات وكتاب

الآفاق الرحبة العشر التي قد يغفل عنها الواقفون

الخواطر الأسبوعية
في الإدارة الرسالية
للمؤسسات الوقفية
( تجربتي في إدارة الوقف )

بقلم: د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي
الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت

– الآفاق الرحبة العشر التي قد يغفل عنها الواقفون

التكامل مع الجهات الرسمية والمناظرة :

التعاون مطلبٌ إسلامي أصيل، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، بل هو أمرٌ يتفق جميع العقلاء على استحسانه. ومن ثَمَّ فحريٌّ بالأفراد والجهات العاملة لأجل الخير أن تكون أحرص الناس على التكامل والتعاون فيما بينها، بحيث تعظُم الفائدة المرجوة من أعمالهم جميعًا، بما يصبٌّ في صالح تحقيق رسالتهم السامية وأهدافهم النبيلة.
وعلى الصعيد الوقفي على وجه التحديد؛ ينبغي للمؤسسات الوقفية أن تتكامل في جهودها مع المؤسسات الأخرى الرسمية والجهات المناظرة لها من المؤسسات الوقفية. فلها أن تدخل المشاريع المشتركة، ولها أن تجعل الرعاية الوقفية مشتركة، فهذه من أعظم الآفاق الرحبة التي قد يغفل عنها الواقفون، ومنهم المؤسسات الوقفية نفسُها.
إن هذا التعاون بين المؤسسات الوقفية المتناظرة يهدف بصورة أساسية إلى تحقيق التكامل، ومقصودي الأساسي من التكامل ليس مجرد تجميع رؤوس الأموال لتحقيق وقف أكبر، فهذا مفهوم بسيط جدًّا، ولكن الأهم في وجهة نظري تحقيق التكامل الموضوعي والإجرائي. وذلك باعتبار أن المؤسسات الوقفية مؤسسات متنوعة، وذات اختصاصات واهتمامات مختلفة، ولكنها جميعًا تهدف إلى تحقيق الهدف الوقفي نفسه. فبعض المؤسسات الوقفية قد تكون جهات مستثمِرة للوقف ومانحة للريع إلى جهات تنفيذية أخرى، وقد يكون لدى الجهات التنفيذية الأخرى قدرات تشغيلية أكبر، وهكذا يتحقق التكامل المقصود والمنشود.
فعلى سبيل المثال، فإن الأمانة العامة للأوقاف لديها استثمارات، ولهذه الاستثمارات ريع يتم صرفه وتوزيعه على المصارف المختلفة، وإذا عرفنا أن نسبة توزيع هذا الريع قد تبلغ الثلث لمصرف المساجد، والثلث الثاني ما بين مصرفي الإطعام والسقيا، ويتبقّى الثلث الأخير لعموم الخيرات، وأن هذين المصرفين الأولين اللذين يستغرقان ثلثي المصارف هما مصارف مبنية على نصوص الوقفيات والحجج والوثائق الوقفية، وبالتالي فهي شروط يلتزم بها الناظر وهي المؤسسة الوقفية. ولكن ليست الأمانة العامة للأوقاف جهة تشغيلية، وليس من اختصاصها ولا مجال خبراتها المهنية والإدارية أن تباشر مشروعات المساجد أو الإطعام.
وبناء على ذلك؛ فكيف تنفذ الأمانة العامة للأوقاف توزيع مصرف الإطعام على مستحقيه؟ ومن الذي ينفّذ لها مشروع الأضاحي؟ والحال أنها ليس لديها القدرة التشغيلية على ذلك. فهنا يأتي دور التكامل مع الجهات والمؤسسات الخيرية المناظرة، فتستعين الأمانة العامة للأوقاف ببيت الزكاة، الذي يتعامل هو الآخر بدوره مع مجموعة من الجمعيات أو المؤسسات الخيرية في البلاد للتوزيع مصرف الإطعام وتنفيذ مشروع الأضاحي. والأمر نفسه فيما يتعلق بمشروع إفطار الصائم، حيث يجري تجهيز الآلاف من الوجبات يوميًّا، فتتعامل الأمانة أيضًا مع مؤسسات في العمل الخيري، بحيث تأخذ كل مؤسسة مجموعةً من المساجد، وتتولي هي توفير الوجبات لها من خلال الشركات العالمية التي تقدم أفضل العروض من حيث الكم والكيف والتوزيع، بناء على الإجراءات القانونية من مناقصات وعطاءات ونحو ذلك.
ومن ثم، وفي ضوء ما رأيناه من هذا النموذج والشاهد الحي على ما أعنيه بالتكامل مع المؤسسات المناظرة؛ فإن الأمانة العامة للأوقاف قد اشترت الخدمة من مؤسسات العمل الخيري الأخرى للتنفيذ، من أجل أن تحقق هدفها الوقفي الذي لا تملك الأدوات الفنية التشغيلية لتحقيقه، وهذا ما يسمى في الإدارة Out Sourcing.
وقد كان ما تقدَّم مثالًا من أمثلة التكامل المنشود مع الجهات الرسمية الأخرى والمؤسسات الخيرية المناظرة الأخرى، ومن الممكن طرح المزيد من الأمثلة، فضلًا عن الإمكانات غير المحدودة للتكامل في ضوء الإبداع والابتكار. فهذا أفق رحب فسيح من آفاق العمل الوقفي، ينبغي ألّا تغفل عنه المؤسسات الوقفية، لما يترتب عليه من عظيم النفع والفائدة.

إغلاق
إغلاق