مقالات وكتاب

هل ما زال التعلق بالشام قائماً؟!

بقلم: د. عصام عبداللطيف الفليج

بعد انطلاق الثورة المدنية السلمية في الشام، ومواجهتها من قبل النظام البعثي بالسلاح القاتل والمدمر، واضطرار خروج الآلاف من النساء وكبار السن والأطفال إلى البلاد المجاورة، تشكلت جبهات قتالية جهادية كثيرة في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأذكر في أول زيارة إغاثية للاجئين السوريين في الأردن، كنا ندعوا لهم بالاستقرار والأمن والأمان، وعودتهم قريبا إلى البلاد، كانوا يتكلمون بكل تفاؤل بأنهم سيعودون بالكثير خلال أسبوعين، ومر العام الأول، ورمضان الأول، والعيد الأول دون أي تقدم يذكر، وازداد عدد المهجرين إلى الأردن بمئات الآلاف، وتجاوز عددهم في تركيا المليونين، ونظمت الهجرات المبرمجة إلى أوربا لحوالي المليونين، ودخل النزال الجيش الإيراني، ثم الطيران الروسي، وعلى استحياء السلاح الأمريكي، وميليشيات حزب الله، ومرتزقة أوربا الشرقية، إضافة إلى داعش والجيش النظامي البعثي واختراقات أمنية لا حدود لها، حتى بات الشعب السوري الأعزل مطوقا من كل هؤلاء، فتم قتل ملايين الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد من كل أولئك، وقصفوا الأحياء السكنية والتجاريةوالصناعية، ودمروا البنية التحتية، وما زال الوضع كما هو سياسيا، مع تراجع شعبي عسكري وأمني، وانسحاب تدريجي لقوى الدعم، وصمت الدول الكبرى أمام كل هذه المجازر.
واستحضرت في هذا العيد، وقد تجرعنا خلال 8 سنوات الألم والقهر قصيدة الشاعر نزار قباني وكأنه يعيش الحدث معنا، والتي قال فيها:
يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا *** واستوطن اﻷرض أغراب وأشباحُ
يا عيد ماتت أزاهير الرُّبى كمداً *** وأوُصِدَالباب ما للباب مفتاحُ
أين المراجيح في ساحات حارتنا *** وضجَّةالعيد والتَّكبير صدَّاحُ
الله أكبر تعلو كل مئذنة *** وغمرة الحبِّ للعينين تجتاحُ
أين الطُّقوس التي كنَّا نمارسها *** يا روعةالعيد والحنَّاء فوَّاحُ
وكلنا نصنع الحلوى بلا مللٍ *** وفرنمنزلنا في الليل مصباحُ
وبيت والدنا بالحبِّ يجمعنا *** ووجهوالدتي في العيد وضَّاحُ
أين الذين تراب اﻷرض يعشقهم *** فحيثماحطَّت اﻷقدام أفراحُ
أين الذين إذا ما الدَّهر آلمنا *** نبكي على صدرهم نغفو ونرتاحُ
هل تذكرون صلاة العيد تؤنسنا *** وبعضهم نائم والبعض لمَّاحُ
وبعدها يذهب الإخوان وجهتهم *** نحوالمقابر زوَّاراً وما ناحُوا
لكن أفئدة بالحزن مظلمة *** وأدمع العين باﻷسرار قد باحُوا
كنا نخطِّط للأطفال حلمهم *** ونبذل الجُّهد هم للمجد أرواحُ
تآمر الغرب واﻷعراب واجتمعوا *** فالكل في مركبي رأس وملَّاحُ
وأين أسيافنا والجَّيش عنترة *** وأينحاتمنا هل كلهم راحُوا
يا عيد عذراً فلن نعطيك فرحتنا *** مادامعمَّت بلاد الشَّام أتراح
لكن القاعدة عندي أنه لا يأس مع الحياة، ولا قنوط من رحمة الله، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، والتفاؤل هو ديدني، فقد رأيت أهل الشام قد انتشروا في أوربا ونشروا معهم الأخلاق العربية الأصيلة، من الأدب والكرم وحسن التعامل مع الآخرين، وأنشأوا المساجد وحلقات القرآن الكريم، وفتحوا المطاعم والمحلات، وأثبتوا وجودهم كفئة منتجة لا تمد يدها لأحد، وقد سبقهم آلاف المهاجرين أبان مجزرة حماة الشهيرة عام 1982م، وكلهم ينتظرون تلك اللحظة التي يعودون فيها إلى بلادهم، ولم ييأسوا من ذلك الأمل، ولم يتفرنجوا أو يتغربوا، كما لم يستسلموا على الجانب السياسي رغم حجم الاختراقات الكثيرة، مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء، واحتفظوا بلهجتهم الشامية الجميلة، لاقتراب موعد العودة إلى الوطن بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
جاء عيد وذهب عيد، وما زال الشام بيد من هم لغيرهم عبيد، ولكن المرابطين لم يخشوا من التهديد والوعيد، ولم ييأس المهاجرون من العودة من جديد، وما زالوا يخططون لعودةوطنهم البعيد، ويرثون الذكريات جيلا بعد جيل لغد مجيد.
وأسأل الله أن يعجل عودة المهاجرين بأسرع وقت، ليعيشوا في وطنهم بأمن وأمان، بعيدا عن ظلم العسكر والبعث ومن والاهم، وهنيئا لأهل الشام دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم بارك لنا في شامنا”، وأن “فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق، من خير مدائن الشام”، وأمر الناس “عليكم بالشام” عندما تخرج النار من حضرموت قبل يوم القيامة، فأبشروا بالخير الذي لا نعلمه.

 

إغلاق
إغلاق