مقالات وكتاب
حكومة «سوق الجمعة»
بقلم : داهم القحطاني
لا شيء أسهل من إدارة سوق أسبوعي مفتوح، مثل سوق الجمعة، ومع ذلك تم إغلاقه في وسط حالة من الذهول لدى كثير ممن يعتبر زيارته أسبوعياً مصدر رزقه الوحيد أو مصدر تسليته.
قبل شهر من إغلاق سوق الجمعة استطاعت الكويت أن تدخل عصر الفضاء عبر إطلاق قمر صناعي، لكنها اليوم تعجز عن إبقاء سوق شعبي وبسيط على قيد الحياة!
هل تصدقون أن قضية سوق الجمعة، التي تم تشكيل لجان عديدة لبحثها، تتعلق بساحات فضاء مغطاة يتم فيها عرض بضائع بسيطة، ولا تتعلق بالزئبق الأحمر مثلاً، ولا بمفاعلات نووية، كي تضطر الحكومة إلى إغلاق هذا السوق خوفاً من تداعيات خطيرة.
لنتخيل اللحظة التي أصدر فيها المسؤول الحكومي هذا القرار السخيف.
عقد الشركة المشغلة للسوق ينتهي، والمسؤول الحكومي يرفض التمديد، وفي الوقت نفسه لم ينجح في إرساء المناقصة على شركة بديلة.
الخيارات أمامه كثيرة، ومن ضمنها تشغيل السوق من قبل عمّال وموظفي الحكومة، فالعمالة المطلوبة عددها قليل، ويمكن توفير الأعمال الإضافية لها.
المسؤول الحكومي يقرّر إغلاق السوق من دون البحث عن حل بديل، ربما لأن هناك من يعتقد أن زبائن سوق الجمعة ومن يعمل فيه مجرّد طبقة فقيرة وبسيطة، ويمكن حرمانها من مصدر رزقها من دون أي قلق أو اعتراض.
واضح جداً أن منظومة القرار الإداري في الكويت تنهار تدريجياً، وأن الإدارات الحكومية شبه مشلولة وغير قادرة على القيام بواجباتها، خصوصاً عندما تبرز أي مشكلة تتطلب إصدار القرار.
هناك يوجد فقط تسيير العاجل من الأمور، أما مفهوم الإدارة الحديثة والمتطورة، فعلى الأغلب تفتقد الكويت مثل هذا المفهوم، لأن %99.9 من القيادات الحكومية، وربما أكثر برأيي، أتوا للمنصب عبر الواسطة، أو عبر ما يعرف بالتعيينات الباراشوتية.
القرار الحكومي لا يصدر، وإن صدر يكون غالباً عشوائياً ومرتبكاً ومتردداً بسبب الكثير من القيادات غير الكفوءة، وبسبب تعطّل العمل المؤسسي، فعندما يفسد الرأس في أي مؤسسة يفسد بقية الجسد.
لو حصلت لك فرصة كمواطن، وحضرت لقاء أو ندوة لمسؤول حكومي، وسمعته يُنظِّر عن الإصلاح، ودولة المؤسسات، وعن التنمية المزدهرة، أطلب منه فقط أن يعيد فتح سوق الجمعة حتى نصدّق ما يقول، فمن يعجز عن إدارة ملف بسيط كملف سوق الجمعة فسيعجز حتماً عن إدارة أي ملف اقتصادي، فالعلة واحدة.